Zenko Magazine
مركز العلاج بالخلايا في "الأردنية"... أحلام وإنجازات
أخبار الجامعة الأردنية (أ ج أ) رمزي الغزوي
 
      الحلم يسبق العلم دائماً، وهو ما يجعل الأستاذ الدكتور عبدالله العبادي، المدير العام لمركز العلاج بالخلايا (cell therapy center) يحلق في سماء ناصعة التفاؤل مشرقة الأمل، يرنو لحلم بات قاب قوسين أو أدنى من يد البشرية، التي تحاول أبداً أن تتغلب على أوجاعها وتغلب أمراضها.
 
   يحلم العبادي أو يرى رأي العين، أنه وبغضون عقد ونصف من الزمان أو أدنى، سنختزل عدد الكراسي المدولبة (المتحركة) التي تحمل ذوي الإحتياجات الخاصة وتحجم إمكاناتهم وطموحاتهم، وسنختزل كذلك إستهلاكاتنا الباهظة للأدوية، ويرى زراعة الأسنان بسهولة تتاح للكثيرين، وأن مشاكل الأوعية الدموية ستكون من الماضي، وأن زراعة الكلى ستتولد من ذات الجسد المعتل والمبتلى بالمرض.
 
    هناك من يختصر مركز العلاج بالخلايا في "الأردنية"، بمركز الخلايا الجذعية، وقد يحق لهم هذا، فالخلية الجذعية صبغت بشهرة كبيرة فاقعة، وباتت حديث أهل الطب والعلم البيولوجي في السنوات الأخيرة، وتعد أهم اكتشاف بعد الجينيوم البشري، وخريطته المعقدة والمهمة. فالخلية الجذعية، يمكن تحويلها إلى أي نوع من الخلايا ال220 في جسم الإنسان مخبرياً، أي يمكنها أن تصير خلايا عصبية، أو بنكرياسية تدر الأنسولين، وتعالج مرض السكري. فهي حقاً كما يسمونها في الغرب: (الخلية الساحرة).
 
   الأستاذ الدكتور العبادي لم يكتف بالتسمية فحسب، بل يضيف لها تسمية (الخلايا الجذرية)، وهي مستعارة من الزراعة وعلومها، كما هي الخلايا الجذعية، المستندة إلى الجذع الذي هو مصدر الفروع وأصلها، أي باعتبار أن هذه الخلايا تستطيع أن تتمايز وتتحول إلى خلايا مختلفة، وبأنواع عديدة، وبوظائف متعددة.
 
   ولأن الجامعة الأردنية وضعت نصب عينيها التحول الحثيث والسريع إلى جامعة عالمية بحثية تطبيقية بغضون بضع سنين على الأكثر، فإنها تفاخر بوجود هذا المركز الرائد، الذي تبنى المشروع التجريبي الريادي، الذي ينقل العلم إلى حيز التنفيذ في مجال الطب، ليصل لكل الناس، ويمس حياتهم بتفاصيلها، فيغيرها ويخفف من أوجاعهم.
 
    تنطوي رسالة المركز، حسب الدكتور العبادي، على ثيمة توفير البيئة العلمية والتقنية والأكاديمية والتعليمية لتوليد خلايا بشرية ذاتية وغير ذاتية، وخلايا معدلة بشرية أو غير بشرية، أو مشتقات هذه الخلايا لأغراض علاجية أو بحثية. كونه مركزاً يتبنى البحث التطبيقي بكل معطياته وتفاصيله وأهدافه، أي أن نتائج أبحاثه تتعامل مباشرة مع أمراض الناس وأوجاعهم وأمنياتهم بتخفيف آلامهم والإسهام في شفاء أمراضهم، فالبحث العلمي التطبيقي ليس ترفاً، أو إمضاء وقت، بل هو عمل وحلم يصبان في خدمة الإنسان بنقل تجارب المختبرات إلى حيز العلاج.
 
    وبعين العالم المتطلعة إلى مستقبل مفعم بالتفاؤل يرنو الدكتور العبادي ليصبح مركزاً وطنياً وإقليميا وعالمياً متميزاً، في مجال العلاج بالخلايا ومشتقاتها وتقانتها، وأن يكون جاذباً لبحوث العلماء، في شتى مجالات العلاج بالخلايا وهندستها، وبالأنسجة وبيولوجية الخلايا الجذعية، وأن يكون محطة لتدريب العلماء والفنيين في اختصاصاته المتشعبة، ويلبي طموحات طلبة الدراسات العليا، وأن يصبح مُزوداً للخبرة والمشورة في هذه الميادين الرحبة.
 
   بل، ويتطلع الدكتور العبادي، الذي تلمّس حدود الطب الكلاسيكي، وخبر العجز الذي اعتور طريقه، يتطلع إلى أن يعبئ البحث في الخلايا الجذعية الفراغ الذي لا يعبئه هذا الطب، وذلك بفيض إنتاج علماء دأبهم البحث والعمل والجهد في مجالات الخلايا الجذعية، وبما أن الدكتور العبادي جاء من خلفية ملائمة لهذا البعد الطبي، كونه متخصصاً في أمراض الدم والسرطان، أي تعامل مع الخلايا وخبر دورها، وهو تعامل يعود إلى سنوات طويلة خلت، فإنه ومن خلال هذا المركز يمد أحلاماً كثيرة ستخفف عن بني الإنسان.
 
   مركز العلاج بالخلايا جاء تقدماً في تصنيع الجلد البشري مخبرياً، وهو ما أدهش المواطنين، وأثار استغرابهم وحفّز أملهم، فالمركز تمكن من تصنيع جلد قابل للنقل والإستخدام في مستشفى الجامعة الأردنية، بعد تصنيعه من خلايا جذعية ذاتية المصدر (أي من نفس الشخص المصاب بحرق أو مرض جلدي)، ويصف الدكتور العبادي هذا الإنجاز، بأنه خطوة لا بد منها لعبورنا نحو مشاريع كبرى تتمحور حول هذا المضمار، أفصحنا عن بعضها، في حين ستظل أخرى طي الكتمان، ريثما نتحقق من نتائجها.
 
    ونعلم أن الخلايا الجذعية ستحل يوما ما مكان زراعة الأعضاء، بتحفيز خلايا الأساس وجعلها تتمايز وتتشكل، تبعا للهدف الذي نريده منها، ورغم صعوبة الخوض في التفاصيل العلمية لهذا المنحنى الطبي، إلا أن الدكتور العبادي يثني خيراً على ثقافة الناس وشغفهم بنتائج البحث العلمي الجاد، ولهذا باتوا يتطلعون إلى أن مشاكلهم أو أمراضهم بإمكانها أن تحل بهذه الطريق.
 
    ويقول الدكتور العبادي أن للمركز أولويات بحثية وتطبيقية؛ فبعد تصنيع الجلد البشري، تأتي الخلايا (الميزينكيمية)، وهي خلايا نستطيع إستخلاصها من شفطات الدهون البطنية، أو من نخاع العظم، ولها خصاص مهمة جداً، لأنه تسيطر على جهاز المناعة، وتشفي أمراضه، كالتصلب اللويحي. ويعتقد أن المرضى الذين استنفذوا خط العلاج الأول والثاني ، سيتم شفاؤهم بواسطة هذه التقانة قريباً بحول الله وإذنه.
 
  وعن توالي الأولويات في المركز، حدثنا الدكتور العبادي عن تصنيع قرنية العين، التي ستعيد البصر للكثيرين، وكذلك الأوعية الدموية، فلدينا العديد من المرضى يعانون من عدم قدرة الشرايين على إيصال الدماء لأطرافهم، وهو ما يهدد ببترها، وتستطيع الخلايا الجذعية أن تحل مشكلتهم قريباً أيضاً، ومثلها عضلة القلب، فسنستطيع أن ننشط الخلايا الجذعية في قلوبهم، لنخفف تعبهم، ونقلل كمية الأدوية التي يتناولونها، وجعلهم يعيشون بطريقة طبيعية تقريباً، وكذلك لدينا تطلعات كبرى في علاج الخرف، وتصنيع العظم البشري، وشبكية العين.
 
   وعن التعاون العالمي لمركز الخلايا يخبرنا العبادي أن المركز وقع مذكرات تفاهم مع العديد من الجامعات العالمية المهتمة بهذا المجال الحيوي في أمريكيا وماليزيا والمملكة المتحدة وإيطاليا. وأن هذا المركز بعمره القصير نسبياً، ابتعث مؤخراً أربعة من العاملين به لاستكمال إختصاصاتهم العليا في أرقى الجامعات العالمية.
 
  وعن ميزة الأمان في العلاج بالخلايا الجذعية، يقول الدكتور العبادي بأنهم يتعاملون مع الخلايا الجذعية ذاتية المنشأ، أي خلايا الشخص نفسه، وهذا مبعث أمان وإطمئنان. وعن الناحية الشرعية من حيث الحلال والحرام فقد عقدت ورشة عمل بتنظيم من المركز، سرنا فيها أن علماء الشريعة كانوا داعمين لمشروعنا ومتفهمين له ولابعاده وأهدافه.
 
ويضيف أيضا، أننا لا نقتل خلايا ولا نخلط أجنة. ونطمح أن نسهل بالعلم على الأطباء والناس، ونفخر بأننا في الأردن نعمل على إعداد نظام طرح من خلال وزارة الصحة لتولي أبعاد هذا الموضوع ومعطياته. وعن كلفة الأبحاث يقول إنها عالية نسبياً، ولكننا نمتلك وعودا صادقة من جهات رسمية وشعبية ومؤسسات لدعم عملنا وبحثنا في هذا المركز. وسيبقى أكبر حافز للعمل هو الحلم والتفاؤل والأمل.
 
ر غ / أ ذ
2012/09/29