Zenko Magazine
رحيل المعماري "جعفر طوقان" بعد حياة ثرية بالفن والإبداع
رحل أمس المهندس والمعماري الأردني الشهير جعفر طوقان بعد حياة ثرية بالفن والإبداع في مجال العمارة الأردنية والعربية والعالمية.
وجعفر طوقان -عضو مجلس الأمناء سابقا في الجامعة الأردنية والمحاضر غير المتفرغ فيها-  كان شعلة قوية ومشعة من النشاط الهندسي والفن المعماري حتى انه فاز قبل سنوات بجائزة شهيرة وهي جائزة الآغا خان للعمارة حول مجمل أعماله وتصاميمه الهندسية وبالذات مشروع قرية الأطفال في العقبة والتي تجلت كعمارة وابتكار حقيقي على مستوى العالم الإسلامي.

وفنون وإبداعات جعفر طوقان لم تنحصر فقط في وطنه الأردن وفلسطين بل تعدت الى مساحات أخرى مجاورة من الدول العربية كدول الخليج ولبنان فهذا الخريج من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1960 سيخلد اسمه طويلا بسبب هذا الإبداع المعماري الهندسي الشامخ في وسط قاع عمان الشعبية في منطقة رأس العين حيث مبنى (قاعة عمان) حيث قام بتصميمه وقد تم بناؤه قبل حوالي 17 عاماً ليحصد الجوائز العالمية كأجمل مبنى معماري من منظمة المدن العربية وغيرها.

وحول مبنى قاعة عمان ومبنى مركز الحسين ومبنى أمانه عمان الكبرى ذكر المهندس جعفر طوقان قبل سنوات بعض الأفكار مثل: عند طرح فكرة بناء قاعة عمان تم تكليفي مع المهندس راسم بدران لعمل مشروع المبنى وكان من المعوقات التي واجهتنا وجود مجرى السيل لذا فقد تم بناء قاعة المدينة (قاعة عمان) بشكل منفصل عن مبنى موظفي أمانة عمان ويصل بينهما جسر علوي ولقد إرتأينا أن تكون فكرة الساحة الداخلية داخل قاعة عمان مستديرة الشكل ومنفتحة لها عدة مداخل على كل المواطنين والرواد ومن جميع الجهات ليكون هناك تفاعل بين روح المكان و مواطن عمان حيث تم عمل 3 قاعات أرضية شاسعة للاستعمال الشعبي وإقامة الاحتفالات والمعارض الفنية وغير ذلك.

كذلك فقد تم تكليف المهندس بلال حماد بعمل المخطط الأرضي للموقع وتحديد موقع (مركز الحسين) ومسجد النورين ونافورة الماء المستديرة ثم كلفنا بتنفيذ بناية الموظفين بحسب المخطط الهيكلي.

وقد جاءت فكرة بناء قاعة المدينة في قاع عمان وعلى أطراف سيل عمان (نهر عمان قديما) لاستكمال المشاهد التاريخية الأثرية القديمة والتي بنيت أيضا على جانب هذا النهر القديم مثل المدرج الروماني وقاعة (الاوديوم) المسرح الروماني القديم لتظل الأصالة والمعاصرة يجريان معا في أعماق تاريخ وتراث عمان الخالدة ومما جاء على لسان المهندس جعفر طوقان : ولقد قمنا بتصميم متحف السيارات الملكي وحدائق الحسين بالإضافة الى المخطط الهيكلي الشامل للحدائق مع (خبراء أجانب) في تنسيق الحدائق الكبيرة.

وفي محاضرة قديمة للفنان جعفر طوقان تحدث فيها عن الخيال المعماري المخصب حيث أوضح أن مسيرته المعمارية خاضت العديد من التجارب: الأولى: كانت العام 1948 عندما شيدت عائلته صفا من المحلات التجارية الى جانب عقارها بأسلوبية يدوية كان فيها الحجر حامل الهيكل والتشطيب.

والثانية: كانت بعد تخرجه من الجامعة حيث قام بتصميم منزلين صغيرين احدهما في العاصمة عمان والآخر في مدينة نابلس وفيهما عمل على الخروج بتصاميم مغايرة للسائد آنذاك رغم انه ظل أمينا على النمط التقليدي لكن ضمن توجه قاده الى إدخال الخرسانة كمادة ظاهرة في العناصر المعرضة للضغط.

وجاءت تجارب جعفر طوقان لدى مغادرته عمان للعمل في بلدان خليجية منها مثلا تطوير سوق أبو ظبي المركزي ومنشآت أخرى كبيرة وهي الفترة التي عايشت تطورات اقتصادية وصناعية على فنون العمارة والتعامل مع الحجر.
وهناك أمثلة على نماذج من استخداماته وتوظيفاته للحجر في تجاربه المعمارية العديدة من خلال أعماله في مدرسة اليوبيل وبيوت ومبان لشركات أردنية ومشاريع قرى الأطفال في عمان والعقبة ... الخ ، وجميعها تفيض بالتنوع والجاذبية بإشكال هندسية بسيطة في معالجات تعتمد على خصائص الضوء والظل والفنان المعماري صاحب كتاب (هندسة جعفر طوقان المعمارية ) وصاحب المشاريع المعمارية في مختلف بلدان العالم الإسلامي يؤكد على أن واجبنا كمهندسين معماريين عرب ان تظل لدينا تلك الروح وهذه الحساسية العالية بأهمية العمارة الإسلامية وضرورة الاستفادة من المعطيات المحيطة بنا سواء كان ذلك على المستوى المكاني أو الزماني.

وسابقاً تحدث حول موضوع (العصر) في أحاديث أهل عمان وهو موضوع إقامة عمارات (الأبراج) وناطحات السحاب والمجمعات السكنية الضخمة والمنتظر إنشاؤها قديماً في العاصمة عمان فقد أدلى المهندس جعفر طوقان بآرائه بمقال له عبر صحيفة الرأي وكان مما جاء فيه: لقد كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول الحركة العمرانية والعقارية في عمان وحول مباني الأبراج والمجمعات السكنية وكذلك حول الاستثمارات العربية والأجنبية في هذا المجال ولعل هذه الظاهرة بدأت بمشروع مؤسسة موارد في العبدلي والذي هو تجربة عمان الأولى في تاريخها في مجال التخطيط الحضري المتكامل ولقد كانت لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني وكذلك تشجيع الحركة الاستثمارية المحلية والعربية والأجنبية عندنا اثر كبير في هذا التوجه المستقبلي المعاصر.

ويضاف الى ذلك إن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط والفائض المالي الكبير في مداخيل الدولة النفطية والتعقيدات التي فرضها الغرب على الاستثمارات العربية عنده بحجة (الحرب على الإرهاب) حولت هذا الفائض المالي للاستثمار في البلاد العربية كالأردن ومصر والمغرب وسوريا وغيرها.

وفي هذا السياق لابد من التطرق لمباني الأبراج والتي كثر الحديث حولها بين مؤيد ورافض وأرى إن مدينة كعمان لها كل مقومات النمو ونتيجة للواقع الاقتصادي والسكاني لا يمكن أن تظل بمنأى عن هذا النمط من البناء.

غير أن المتغيرات الاقتصادية المعاصرة والتي يتأثر بها الأردن كما تتأثر بها سائر دول العالم تطرح معطيات جديدة تجعل الكلفة الإضافية اقل أهمية إذا ما قورنت بسرعة الانجاز وبالتالي سرعة تحقق المردود الاقتصادي للاستثمار.
حيث أن المخطط الشمولي حدد مناطق معينة لإنشاء الأبراج وهذه المناطق تشكل نسبة بسيطة من مساحة عمان الحضرية فان زخم البناء بالطرق التقليدية لن يتراجع ولعله سيظل الطريقة الأهم في عمارة عمان في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور.
أخيرا فان طوقان كان يتطلع الى مستقبل زاهر بمدينتنا عمان راجيا أن تنقل هذه العدوى الايجابية الى مدننا الأخرى حتى يستطيع المواطن الأردني أن ينعم بحياة طيبة في مدنه الجميلة وهكذا فليس غريبا ان يخرج فنان الهندسة المعمارية جعفر طوقان من بيت مليء بالإبداع والحساسية الإنسانية حيث والده الشاعر المعروف إبراهيم طوقان وعمته الشاعرة المعروفة فدوى طوقان فكلها هذه البيوت الشعرية والسكنية تسكن فيها النفس من اجل الاستقرار والأمان والراحة وللشعور بالتعايش مع فنون الجمال.
2014/11/26