Zenko Magazine
عزوف عن القراءة والمطالعة عند الشباب

​ليس مفاجئاً القول إن القراءة باتت عادة مهجورة، وخصوصاً عند الشباب.

ولا يخفى على أحد مخاطر العزوف عن القراءة والمطالعة، غير أن المشكلة لا تكمن هنا، بل في كيفية معالجة القضية؛ أي كيف نحفز الشباب على القراءة ونقنعهم بجدواها؟
 
«الرأي الشبابي» استطلعت آراء بعض المختصين لتشخيص الظاهرة والتعرف إلى الحلول الممكنة.
وفي الإطار يُرجِع أستاذ علم المكتبات والمعلومات ورئيس جمعية المكتبات والمعلومات في الجامعة الأردنية الدكتور ربحي عليان عزوف الشباب عن القراءة الى أسباب عديدة اولها التربية الأسرية.
 
ويلاحظ أن الأسرة لا توفر الكتب المناسبة ولا تشجع أبناءها على القراءة ولأن الوالدين عادة لا يقرأون.
وكذلك لا يجدون في المدارس مكتبة مناسبة ولا تشجيعاً من المعلمين وحتى طرق التدريس لا تشجعهم على القراءة وعندما ينتهي وقت المدرسة لا يجد مكتبة عامة ليشغل فراغه، وإنما المقاهي وغيرها..
 
وينبه إلى أن عدداً كبيراً لا يعرف القراءة ولا يجيد القراءة «السليمة» أننا لم نقدم للشباب الكتب الجيدة التي تناسب مرحلتهم العمرية وبخاصة مرحلة الشباب «المراهقة».
 
ويلفت عليان إلى أن الشباب لا يقرأون الكتب التقليدية وهناك بدائل كثيرة على الانترنت والمأساة اننا نصرف الملايين على أمور أقل قيمة ولا نصرفها على الكتب والمكتبات.
 
ويحض على البدء من رياض الاطفال «اذا أردنا ان نخلق جيلا من الشباب يحب القراءة وزيارة المكتبات بحيث يكون في كل روضة مكتبة اطفال نموذجية».
 
وثم نقوم بإنشاء مكتبات مدرسية نموذجية ونقوم بإنشاء مكتبة عامة في كل بلدية او منطقة لتقوم بشغل فراغ الشباب.
 
ويركز على اهمية أن يقدم المؤلفون كتباً مناسبة تعالج قضايا الشباب المعاصر ومشكلاتهم وباسعار مناسبة، وأن تكون هناك مسابقات للمطالعة وندوات ومحاضرات للمؤلفين يلتقون فيها الشباب لمناقشة كتبهم الجديدة.
ويشدد على ضرورة تشجيع الشباب الجامعي على كتابة البحوث والتقارير العلمية باستخدام الكتب والمجلات وغيرها من مصادر المعلومات التقليدية والالكترونية.
 
الدكتور هاشم الطويل أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين بن طلال يرى أن الكتاب سيظل «مصدر المعرفة الأول»، وقراءته ستبقى مظهرا من مظاهر الأمم الحضارية.. فمستوى القراءة كماً ونوعا، عنده، «يعكس وعي المجتمع».
 
وتساءل: «لماذا نحن أمة لا تقرأ؟»، وأردف: «بل إن مشاركتنا في التأليف تكاد لا تُذكر».
واستتبع مستغربا: «هل يعود ذلك لسهولة الوصول إلى المعلومة من خلال شبكة الانترنت؟! بغض الطرف عما إذا كان هذا الكم الهائل من المعلومات التي تحويها صحيح أو مغلوط، أو غير خاضعة للرقابة المجتمعية.
وعبر عن خشيته من أن تكون ثقافتنا (العصرية) أدت إلى غياب الوعي بأهمية وضرورة القراءة وأثرها على الفرد والمجتمع؟! أم ذلك الكم الهائل من (الملهيات) وتوافرها في أيدي الشباب، وكذلك الأفلام وألعاب الفيديو.
ويؤشّر الطويل إلى أنّ علاقة الشباب بالكتاب صارت فاترة جداً، فالكتاب الورقي لم يعد يُقدّم المتعة للقارئ الشاب الذي وجد في القراءات الإلكترونية على الإنترنت وسيلة أسهل لاكتساب المعرفة والمتعة والتسلية.
 
ويأسف «لأننا أصبحنا أمة تستورد وتقلد، وابتعدنا عن الإبداع والابتكار، والمصيبة أن هذه الظاهرة أصابت الشباب، الذين ترتكز عليهم الأمم في نهضتها ورقيها».
 
وتفشي ظاهرة البعد عن القراءة، وفق الطويل، قد يعود جوهريا إلى «مناهجنا التعليمية وأساليبنا التدريسية التي تعلم التلقين والحفظ واستدعاء الذاكرة..».
 
ويشرح بالقول: «فالتقصير يبدأ من الأسرة والمدرسة معاً في غرس عادة القراءة في نفوس الأطفال منذ الصغر، لأن الطفل قبل أن يشب عن الطوق، ولا يلمس من الأسرة أي تشجيع أو توجيه للمكتبة أو الكتاب، لن يتمكن من الاطلاع على تجارب الآخرين، وسيتقوقع في الأفكار والسلوكيات العقلية، ما يُكرس «الجهل».
والقراءة الحرة، بيقينه، «قناة أساسية تُسهم في تنمية الثقافة العامة، وهي المنطلق الذي تُبنى فيه شخصية الشباب الفكرية..».
 
لكنهم، كما هو ملحوظ «مضربون بشكل خطير عن القراءة، وهم بالتالي مُعرضون بدرجة كبيرة للانحراف، لأن الشخصية (خاوية العقل) عرضة للانحراف والضياع».
 
ويحذر من أن عدم القراءة يؤدي إلى ضعف مستوى التحصيل والثراء الثقافي واللغوي، وضعف التعبير، وقد يوجِد جيلا عاجزا عن مسايرة ظروف الحياة ومتطلباتها.. فالطلاب المفروض عليهم القراءة «لا يقرأون».
ويرجح الطويل أن يكون الانغماس في الحياة المادية، وانشغال الناس بتدبير أمورهم المعيشية، وطغيان وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وفيديو وإنترنت، وراء ذلك..
 
ويفسر ذلك بالقول إن الناس تبحث عن السهولة والبساطة والرخص، وقد يتعلق السبب ببنية المجتمع الفكرية..
فلا يمكن لأي إنسان، والحديث للطويل، أن يمارس أي شيء، إذا لم تكن تلك ممارسة اجتماعية.. «فحين نتوقف عن القراءة يعني أننا توقفنا عن الحياة، لنُصاب بـ(الكسل الذهني)».
 
ويبدي تخوفه من أننا «نعيش في زمن التجهيل الحقيقي، والأمية الثقافية، وبالتالي نحن نتآمر على لغتنا وتراثنا الحضاري بعدم الاطلاع، وبالإهمال، فالوعي والثقافة يشكلان ضغطاً نفسياً على الإنسان حينما لا يمارس دوره كمثقف ومتعلم وإنسان».
 
بدوره يقول هزاع البراري مستشار وزير الثقافة للشؤون الثقافية ومدير الدراسات والنشر إن الوزراة تعمل على حزمة من المشاريع الثقافية التي تصب في خانة تشجيع القراءة بشكل عام وبخاصة الشباب.
 
ومن ابرز هذه المشاريع مكتبة الاسرة الاردنية التي تقوم على طباعة 50 عنواناً سنويا في واقع 5000 نسخة لكل عنوان وتوزع رمزياً بسعر 25 قرشاً لكتب الاطفال و35 قرشاً لكتب الكبار بمعنى ان الكتاب الذي يصل ثمنه 15 ديناراً يباع بـ 35 قرشاً ضمن هذا المشروع والهدف منه اعادة المكتبة لداخل البيت ولتكون متاحة للاطفال والشباب والكبار ضمن عناوين تناسب الفئات العمرية المختلفة.
 
ويشير الى ان وزارة الثقافة تقوم على عمل عدد من مسابقات ثقافية في مجال الكتابة الادبية والابداعية، ولدينا مسابقة الابداع الطفولي ومسابقة الابداع الشبابي وجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية والتي تهدف الى تنشيط القراءة ولتشجيع الكتابة باللغة العربية.
ويشير إلى أن الوزارة تقوم برفد مكتبات المدارس والجامعات بكميات من الكتب الثقافية المختلفة بشكل مجاني من اجل توفير هذه الكتب للطلاب من مختلف الاعمال لتكون عوامل مشجعة على القراءة، بالاضافة الى مشروع مكتبة الطفل المتنقلة بالتعاون مع مركز هيا الثقافي حيث تقوم هذه المكتبة بالتجوال على القرى والبوادي والمجتمعات التي لا تتوافر فيها مكتبات عامة يتم من خلالها تشجيع الكتب مجانا وقراءة القصص مع الاطفال.
وينوه الى أن برامج النشر في الوزارة تراعي هذا الجانب من خلال طباعة الكتب التي تلبي حاجة الاطفال والشباب والكبار على اختلاف مراحلهم العمرية والفكرية.
 
ويرى البراري إقبالاً كبيراً وتفاعلاً على القراءة بكيفية «طرق الابواب» مما يدل على تعطش الشباب للقراءة، كما يلاحظ «ان معظم رواد المكتبات من فئة الشباب»، مدللاً على ذلك بحجم الاقبال الكبير على معرض مكتبة الاسرة ومنشورات الوزارة في الجامعة الاردنية ما «اضطرنا لتمديد ايام المعرض وزيادة الكتب المعروضة للبيع»، كما أنه «وفي كثير من المحافظات من المملكة تبحث عن الكتب تطالب بزيادة المكتبة المتنقلة الى مناطقهم نظرا لرغبتهم».
 
مدير ادارة الاشراف والتدريب في وزارة التربية والتعليم الدكتورة خولة ابو الهيجاء تقول ان الوزارة توفر في معظم المدارس مكتبات عامة للطلبة والمعلمين وتعمل على تزويدها بالكتب اللازمة بعد دراستها من قبل المختصين والتأكد من مناسبتها وقيمتها العلمية وتخصص سنويا نسبة من موازنة المدرسة لتزويد المكتبة بالكتب الجديدة وتتابع الوزارة تفعيل المكتبة من خلال فرق المتابعة الخاصة بالإشراف على المدارس وتنسق الوزارة لإقامة معارض الكتاب بأسعار رمزية مع الجهات المعنية والداعمة وتنظم رحلات مدرسية للمعارض المتوافرة.
وتشير إلى ان الوزارة تقوم بتشجيع الطلبة على القراءة من خلال مجموعة من المسابقات والمبادرات منها: برنامج تحدي القراءة العربي حيث شارك في المسابقة هذا العام (186) ألف طالب وطالبة على المستوى المحلي و(14) طالباً على المستوى العربي.
 
وتضيف: برنامج تشجيع القراءة للصفوف الثلاثة الأولى قرأ كل منهم ثلاث قصص فأكثر حيث يتم البرنامج بشراكة مع المجتمع المحلي وذلك بإنشاء مكتبات ضمن الأحياء والجمعيات وبالتنسيق مع المدارس. وسيتم توسيع البرنامج ليشمل جميع مدارس المملكة. إضافة إلى إنشاء مكتبات داخل الغرف الصفية للصفوف الثلاثة الأولى لتنمية حب المطالعة والقراءة. وبرنامج مكتبتي العربي حيث يتم تزويد الغرف الصفية من الصف الأول للصف السادس بمكتبات صفية وتشجيع الطلبة على القراءة من خلال مسابقات مدرسية ومتابعة المعلمين والمشرفين التربويين.
 
وبرنامج البيئة الداعمة بالتعاون مع اكاديمية الملكة رانيا العبدالله لتدريب المعلمين حيث تم تدريب امناء المكتبات في المدارس المشاركة على استراتيجيات تفعيل أندية القراءة وتصميم انشطة مساندة وتزويد المكتبات بـ(6900 كتاباً) وتم تاسيس أندية القراءة والمطالعة حيث شارك في هذه الأندية أكثر من (4000 طالب وطالبة) من الصف الرابع وحتى العاشر في المرحلة الأولى من البرنامج، فيما تقوم الوزارة حالياً ضمن خطتها بتوسيع نطاق البرنامج بعد نجاحه.
نقلا عن صخيفة الرأي بتاريخ 27/12/2016
2017/01/02