Zenko Magazine
تطوير المناهج وضرورة استقلاله وابتعاده عن الجدل السياسي والخطابات الشعبوية !

​تدور قضية تطوير المناهج أو تغييرها في ذات الحلقة المفرغة منذ أشهر، دون أخذ أي خطوة عملية نحو الأمام، مع قناعة صانعي القرار بأن الأيام وتقدم المنظومة التربوية لن تنتظر خطوات متثاقلة، أو حتى عرجاء، وأي تأخير حتما ينعكس بسلبيات خطيرة على المنظومة التعليمية برمتها وعلى منتج المدرسة والجامعة في آن واحد !
ولا يختلف اثنان على أن هذا التأخير أو تثاقل الخطوات يعود لعدة أسباب للأسف في مجملها واهية ومن شأنها شدّ التعليم بالأردن نحو الخلف، كونها تشتت الفكرة وتربط موضوع تطوير المناهج بالكثير من الأمور والقضايا التي لا تمت للحقيقة بصلة، وفي كل مرة تخضع بها قضية تطوير المناهج نجد أنفسنا أمام خطابات شعبوية، تدخل القضية بجدل متعدد الأبعاد تختلط به السياسة بالواقع الاجتماعي بمقارنات غير علمية وغير مدروسة تشتت مفاهيم التطوير وتعيد القضية لذات الحلقة المفرغة التي تبدأ دوما حيث تنتهي من جدل هش بالحجة والمعلومة وبالتالي بالمنتج.


تقف المنظومة التربوية اليوم على مفترق طرق بأن تكون قوية قادرة على التنافس او لا تكون، بالتالي فإن واقع الحال يفرض بداية تحديد مفاهيم واضحة للتطوير المطلوب، ليس فقط من حيث الشكل انما ايضا لجهة المضمون وهذا يؤشّر على وجود مواد يجب تحديثها كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من المواد المتطوّرة بشكل دائم، وتحديثها يتطلب خطوات سنوية لا أن تقتصر على  فترة محددة أو عام محدد، فضلا على ضرورة التمييز بين المنهاج والكتاب المدرسي وهذه مسألة غاية في الأهمية إن لم تكن أساسا لنهج التطوّر المطلوب، فالمنهاج هو مجموعة من العناصر والمكونات، التي يعد الكتاب المدرسي أحدها، وبهذه الرؤية يجب أن يتم تحسين الشقين بالوصول إلى منهاج متطوّر وبالمقابل كتاب صديق للطالب وليس عدوا له كما هو الحال اليوم .

 


كثيرة هي التفاصيل التي يجب الوقوف عليها عند الحديث بشأن تطوير المناهج، ولكن الأهم هو أخذ خطوة عملية بهذا الاتجاه، فتكتيف الأيدي حيالها يزيد من حجم كرة الثلج بسلبيات لن نتمكن من تجاوزها خلال السنوات القادمة، كونها تؤثر على جيل بات منتجه التعليمي واضح السلبيات والثغرات، ووضع الأمور في نصابها الصحيح ليس صعبا، فلا بد من أن تخرج الكتب المدرسية من شكل «الحشو» لتكون النتيجة فقط الحفظ أو ما يطلق عليه «الصمّ» لغايات الحفظ والامتحان والنجاح، وأن توكل هذه المهمّة إلى أهل الاختصاص بشكل مستقل لا يتبع فيه الأمر لقسم أو مديرية في وزارة يتأثر بقرارات معينة، وصولا لصيغة متطورة حديثة في تطوير المناهج.


وفي متابعة خاصة لـ» الدستور» مع عدد من التربويين وخبراء مناهج أكدوا أن تطوير المناهج يجب أن يستقل ويبتعد عن الجدل السياسي والخطابات الشعبوية والمقارنات غير المدروسة، ذلك أن استمرار واقع الحال على ما هو عليه يقود المنظومة التربوية نحو نفق مظلم لا بارقة أمل به لمصير أجيال معتمة في التعليم والفِكر وحتى النمو العقلي والذهني لهم، جيل يتخرّج فقط لكونه حفظ الكتاب المدرسي الذي مارس معه كل أشكال العداء لرفضه له، لكن الحصول على العلامة لغايات النجاح كان أقصى أشكال العلاقة التي تربطه به !


الخبير التربوي في جامعة اليرموك الدكتور وليد حسين نوافله نبه لوجود فرق كبير بالحديث عن الكتاب المدرسي والمنهاج، ذلك أن مفهوم المنهاج أوسع وما الكتاب إلاّ أدوات من أدوات المنهاج الذي يتضمن المعلّم والبيئة المدرسية وأساليب التقييم وتفاصيل العملية التربوية الأخرى، بالتالي يجب أن نبدأ من هذه النقطة.


وأشار النوافلة إلى أن المنهاج هو مجموعة من العناصر والمكونات ، الكتاب المدرسي واحد منها، في ظل أن المنهاج يتكون من عدة كتب لمبحث واحد تتدرج من حسب الخصائص النمائية للطالب وفقا للمراحل الدراسية حيث يتم التدرج في توصيل المعلومة للطالب بما يلبي الجوانب المعرفية وحب الاستكشاف وربط المعلومة بالواقع كمان أن دليل الأنشطة يعتبر جزءا من المنهاج وايضا المعلم المتدرب والممكّن يعّد عنصرا أساسيا لتطبيق المنهاج.


 وعملية التطوير يجب أن تشمل كافة مرفقات العملية التعليمية، فبدء التنفيذ العملي يجب أن يكون شاملا وصولا لنهج تطويري عملي وصحيح ويحدث فرقا على أرض الواقع، ودون ذلك لا يعتبر تطويرا، فما نتحدث عنه حتى يؤتي أكله يجب أن يكون عملية متكاملة فيما بينها.

 

 


وفيما يخص آلية التطوير، نبه الدكتور نوافله الى ما أسماه «مصيبة» في حديثه عن تأليف أو تطوير المناهج خلال الفترة الحالية، والفترات الماضية، مشيرا إلى ان طريقة التأليف تعتمد على لجان منفصلة عن بعضها البعض ولهذا توجد معلومات في كتب مدرسية متغالطة ومعلومات غير دقيقة مما يدخل الطالب والمعلّم في حيرة، منبها أن التأليف يتم بشكل مقسم للكتاب الواحد حيث يتم اعداد كل وحدة من الكتاب على انفصال مع الوحدة التي تليها وهنا نحن نتحدث عن «مصيبة» تخرج المناهج وكأنها جزر مفصولة، سيما وأن التدقيق يكون في نهاية المطاف على النواحي اللغوية وليس من النواحي العلمية.


وطالب دكتور النوافله بضرورة الإسراع بإنشاء جسم مستقل توكل له مهمة تأليف الكتب المدرسية، بحيادية واستقلالية على اختلاف مسمى هذا الجسم، لكن بات الأمر ضرورة في انشائه وجعله حقيقة تبدأ العمل في أقرب فرصة ممكنة بعيدا عن أي جدل بات يلحق بهذه القضية.


وقال النوافله نحن ننادي بوجود هذا الجسم المستقل ليضم بعضويته فريقا خاصا ومتخصصا بموضوع المناهج والكتب المدرسية، وتطويرها، وهذا ليس بالأمر الصعب ولكن المطلوب قرار بحيث يتم اعطاء أمر المناهج إلى أهل الإختصاص، بعيدا عن تبعية أي جهة قد تؤثر على قرارات تطوير المناهج ادرايا على سبيل المثال، وصولا لمناهج تقود لبعد التفكير والتحليل وحتى النقد عند الطلبة، والأهم مناهج متناسقة مترابطة تبتعد عن منهجية الجزر المعزولة.


الخبيرة التربوية في الأونروا الدكتورة إيمان عبد أكدت من جانبها، وجود فرق كبير بين المنهاج والكتاب المدرسي، فالكتاب هو جزء من المنهاج وأدواته المتعددة بالتالي يجب الأخذ بهذا الجانب في عملية التطوير التي يجب أن تأخذ بكافة هذه الجوانب الشاملة والواسعة، والمتضمنة المعلّم والطالب والبيئة المدرسية والتعليمية ودليل الأنشطة وأساليب التدريس وصولا للكتاب الذي يحتاج الى خطة متكاملة وأسس واضحة لتطويره، فالكتاب المدرسي له مواصفات محددة يجب أن يتسم بها ليكون صديقا للطالب من خلال جعله مشوقا وجاذبا للطالب، واضحا في الطرح يفتح مجالات للإستزادة من مصادر أخرى تعزز المطروح في كل وحدة أو درس، كما يجب أن يكون صديقا للطالب من حيث الشكل والحجم وتسلسل المعلومة.


ونبهت د.عبد الى أن التأخير في احداث التطوّر يؤخر خطوات تطوير التعليم لما قبل نقطة البدء والمربع الأول في المنظومة التعليمية، فما يحدث كلما تأخرنا يؤخذ علينا أن واقعنا التعليمي يتراجع، وهذه مسألة حساسة يجب الإسراع في حلّها وتجاوزها، وهذا لن يكون إلاّ من خلال تجاوز جدل التطوّر من عدمه وإخراجه من داشرة المحظورات على اختلافها من سياسية واجتماعية ودينية، سيما إذا ما قلنا أن التطوير سيشمل مناهج علمية حتما لن تقود لأي جدل.


ورأت عبد أن وجود جسم لتأليف الكتب وتطوير المناهج بات ضرورة ملحّة، ويجب أن يوضع له أسس واضحة سواء كان في اختيار الأشخاص الذي سيشغلون عضويته ورئاسته أو لجهة سبل التأليف والتطوير ليكون العمل مؤسسيا وناضجا، فالمشكلة ليست بالمسميات لهذا الجسم إنما بضرروة بناء عمله على أسس تكون نهج عمل لأعوام قادمة وليس للآن فقط.


وقالت عبد يجب أن نستفيد من التجارب المختلفة في هذا المجال، وكذلك الإستثمار في الخبرات الأردنية سواء كانت الموجودة في المملكة أو خارجها، بشكل يتح المجال لها للإبداع، فيجب أن ننطلق إلى العالم وننفتح على كل ما هو جديد، مؤكدة أن الحديث هنا عن المناهج العلمية التي ليس لها علاقة بالدين أو الأنماط الإجتماعية والمنظومة القيمية ولكن تلك المناهج التي طورتها مؤسسات أكاديمية دولية وعربية وفقا لدراسات أخذت بعين الإعتبار جميع الجوانب والخصائص لكل مرحلة، وهناك خبرات أردنية يشهد لها القاصي والداني طوّرت أنظمة تعليم بعدد كبير من الدول العربية.


ودعت دكتورة عبد لضرورة تكاتف الجهود بما في ذلك وسائل الإعلام لتغيير اتجاه بوصلة مبدأ تطوير المناهج لجهة القناعة والثقة بضرورة البدء بهذه الخطوة وبشكل عملي وعلى أرض الواقع بعيدا عن أي كلمات ما تزال تدفع بهذه القضية لمساحة التشخيص التي ومن المفترض أن نكون قد تجاوزناها لمساحة التطوّر والإنجاز، فقد آن الأوان لحتمية التغيير والانجاز.

 

نقلا عن صحيفة الدستور بتاريخ 5/3/2017

2017/03/05