Zenko Magazine
خبراء: لغة الضاد تعيش انتكاسات متتالية

الدولة في قفص الاتهام بتراجع اللغة العربية أكاديميون يعلّقون الجرس خشية لدولة في قفص الاتهام بتراجع اللغة العربية أكاديميون يعلّقون الجرس خشية

"أميّة لُغويّة" تغشى المجتمع لغتنا بحاجة لرفع طغيان الانجليزية عليها ولقرار سياسي باعتمادها تراجعها يعود إلى المنظومة التعليمية ككل.. من الأسرة إلى الجامعة عمان
مما لا شك فيه أن اللغة هي الترسانة التي تبني قوام الأمة وتقوّي كيانها، وأن اللغة العربيّة تعد لغة إنسانية سامية بين لغات العالم المختلفة، وهي لغة القرآن الكريم ومعجزة الله في كتابه المجيد، التي ما زالت تحتفظ بتاريخها اللغوي والنحوي على مر التاريخ، كما أنها تعتبر حجر الزاوية في الثقافة والحضارة والأدب العربي. وبرغم هذا الاهتمام العالمي البالغ باللغة العربيّة؛ إلا أنها تراجعت عند أهلها (العرب)، وغابت في بعض الأحيان في حياتنا اليومية، إضافة إلى يباس كبير لحق بها جراء الجهل وعدم الإلمام بها بشكل صائب، وفق أكاديميون أدلوا بآرائهم إزاء ذلك. وخلال رصدنا لهذا التراجع، وجدنا أنه لا يقتصر على طلبة المدارس وطلبة المرحلة الجامعية الأولى فحسب، إنما ينسحب على طلبة الدراسات العليا؛ إذ تزخر كتابات طلبة الماجستير والدكتوراة بالعديد من الأخطاء الإملائية والنحوية وركاكة بناء الجمل. خبراء وأكاديميون اعتبروا أن لغة الضاد تعيش انتكاسات متتالية، بسبب ابتعاد الأمة عن لغتها الأم، واعتزازها باللغات الأجنبية، إلى جانب طريقة تدريسها في المدارس على أنها "لغة تواصل" وليست "وعاء حضارة". كما عدّ البعض منصّات التواصل الاجتماعي أحد الأسباب التي ساهمت بتراجع اللغة، فيما اعتبرها آخرون وسيلة كشفت عن وجود هوّة بين الجيل وإتقان العربيّة. واقع تعليمي متدهور تراجع اللغة العربيّة في المرحلة الابتدائية أكده وزير التربية والتعليم السابق محمد الذنيبات، حين قال إن 100 ألف طالب على مقاعد الدراسة لا يستطيعون قراءة الحروف العربيّة؛ يشكلون نحو 22% من إجمالي عدد الطلاب في المملكة، وكانت الملكة رانيا العبدالله قد أعلنت خلال كلمتها في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية أن "80% من طلاب الثاني والثالث الابتدائي هم دون مستوى مرحلتهم في القراءة". الباحث في اللغة العربيّة الدكتور أحمد السعودي قال "إن أسباب تراجع على لغة الضاد كثيرة تتمثل بطغيان اللغة اﻹنجليزية عليها، وغياب القرار السياسي العربي الذي يفرض العربيّة لغة للتعليم الجامعي، وبخاصة في التخصصات العلميّة، وضعف انتماء الناشئة العربيّة للغتها بحجة صعوبة النحو والصرف وعدم اهتمام وسائل اﻹعلام بالعربيّة الفصيحة، نطقا وأداء، بالإضافة إلى إشاعة المسلسلات واﻷفلام للهجات العاميّة المحكيّة، وتأثر الناشئة بها". أما أستاذ العلاقات العامة في كلية الإعلام محمد جهاد الشريدة فقد علّق الجرس، وأشار إلى أننا أمام "واقع مقلق" فيما يخصّ اللغة، وهذا الواقع جاء نتيجة لمقاطعة الإنسان للكتاب أو للوسيلة التعليمية، وإن قصور اللغة –أيضًا- جاء نتيجة لضعف الثقافة، محملا. وأوضح أن ضعف اللغة في حياتنا اليومية وبين الطلبة -على اختلاف فئاتهم- ملفت للانتباه، سيما أن الأسرة تخلّت عن دورها في تنشئة جيل ذات قيمة، إضافة إلى تطفّل مدرّسين لا يتقنون اللغة على العملية التعليمية. ووجّه الشريدة أصابع اللوم إلى الباحثين والمختصّين، وشدد على أنه من المفترض أن تكون اللغة العربيّة على رأس أولوياتهم، مضيفًا: "لدينا طلبة أميّون بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سواء باللغة أو بالثقافة، وهو ما أدى إلى تفاقم الجهل وانحراف الأخلاق"، عازيًا السبب في ذلك إلى إهمال التعليم ما قبل الجامعي على مدى سنوات، مما أدى إلى وجود مخرجات "رديئة" وانعكاسات ألقت بظلالها على الجامعات. من جانبه المدقق اللغوي سلامة جدعون "إن البيئة الصفية داخل المدارس الحكومية غير مناسبة للتعليم، فالاكتظاظ جعل من فرصة الطالب في التعليم محدودة لا تتجاوز الدقيقة، إلى جانب دخول من لا يستحق أن يكون معلمًا إلى المدرسة، وعدم شعور المعلم بالانتماء للمهنة؛ مما ولّد حالة من اللامبالاة في العملية التعليمية ككل". ولم يبرئ جدعون المدارس الخاصّة من الخلل، قائلا "إن المدارس الخاصّة تهتمّ بالأنشطة والفعاليات اللامنهجية على حساب الجانب التعليمي، وكل ذلك ساهم في إخراج أفواج من الجهلة والأميين". واتفق السعودي مع جدعون حين قال "إن للمعلمين المجتهدين دور رئيس في تعميق الانتماء للعربيّة في نفوس الطلبة، وللمعلمين ذوي البضاعة المزجاة دور في تشويه العربّية وإضعافها في قلوب الطلبة، وعلى ألسنتهم". الدولة في قفص الاتهام بَيد أن هناك من وضع الدولة في قفص الاتهام فيما يخص تراجع العربيّة، واعتبر أنها تهتم بمجالات أخرى على حساب لغة الضاد، وساهمت بتخلّي أبناء الأمة عن واجبها تجاهها؛ من خلال عدم وضع برامج حقيقية من شأنها الارتقاء بها والسعي لحفظ مكانتها التي ينبغي أن توضع فيها، والسعي –بشكل مقصود أو غير مقصود- إلى إعطاب اللغة من خلال العبث بمناهج اللغة العربيّة. فحمّل أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة اليرموك علي الزينات الدولة مسؤولية تراجع لغة الضاد، وقال إنها استهانت في الحفاظ عليها، مما إلى اختراقها، دون تحصينها من خلال برامج واستراتيجيات تضمن ثباتها بين الأجيال، الأمر الذي أفضى إلى حالة انفصام بين المجتمع ولغته. وأوضح أن الأنظمة العربيّة لم تراجع حال اللغة، ولم تخلق حلولًا وسياسات عملية لبقائها، وأنها تولي ملفات أخرى أهمية على حساب اللغة، على اعتبار أنها مسألة "شكليّة". وأشار الزينات إلى أن تغيير السياسات التعليمية بما فيها المناهج وأساليب التدريس أثر بشكل مباشر على اللغة، فاعتماد هذه السياسات على التجارب الغربية ساهم في تراجع اللغة في المناهج، وبالتالي تراجعها لدى الطالب. واعتبر أن الأسرة ضحية ومسؤولة في آن؛ إذ إنها ضحية لسياسات الدولة في رسم خطط واستراتيجيات التعليم، وأنها انجرفت وفقًا لما هو متبع وسائر في الدولة؛ إلا أنها مسؤولة في ذات الوقت عن تنشئة أطفالها على حب اللغة وتعلّمها. وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور ابراهيم بدران اتفق مع الزينات، حين قال إن الدولة أهملت دورها في الحفاظ على اللغة العربيّة وضمان سلامتها بين الأجيال خلال الثلاثين عامًا الماضية، فتغيّرت النظرة إلى اللغة من كونها فضاءً للتفكير إلى كونها آداة للتواصل، مما أدى إلى إهمال الجانب البنيوي الذي يُمكن من خلاله تشكيل الفضاء الذي ينطلق منه الفرد نحو التفكير والثقافة والعمل. خطط تعليمية عاقرة "خطط فاشلة"، بهذه العبارة عبّر رئيس قسم مناهج اللغة العربيّة سابقًا الدكتور عطا الله الحجايا عن عجز خطط وسياسات وزارة التربية التعليم في إصلاح التعليم وإعادة الاعتبار للغة الضاد؛ إذ إنها تجاهلت تهيئة معلمين أكفاء قادرين على تدريس اللغة العربيّة، وعمدت إلى العناية باللغات الأخرى على حسابها، ونظرت إليها بأنها لغة تواصل شأنها شأن اللغات الأخرى، موضحًا أنه "من الخطأ تدريس اللغة العربيّة على أنها لغة تواصل فقط، فالعربيّة هي وعاء الحضارة العربيّة، والإنسان العربي يسعى إلى معرفة حضارته ومكنونه الثقافي من خلال لغته". وبيّن أن مساواة تدريس المواد الأخرى بتدريس العربيّة في التعليم المدرسي أدى إلى إهمال الأخيرة، وفاقم من الأزمة بين الإنسان العربي ولغته، وأن من ينفذ السياسات الحكومية لم يعِ أهميتها، إلى جانب إهمال المجتمع لها، حتى سادت فيه مفاهيم دخيلة؛ فأصبح من يتحدّث العربيّة الفصيحة متخلّفًا ورجعيًّا، ومن يتحدّث لغة أجنبية متحضّرًا. وأشار بدران إلى أن المدرسة لم تولِ القراءة أهمية، فكان هناك حالة من عدم الاكتراث بأهمية القراءة لدى الطلبة في سن مبكرة؛ مبيّنًا أن وزارة التربية والتعليم اكتفت بالشهادة الجامعية، دون العمل على تدريب المعلمين على الجانب المهني؛ فالشهادة الجامعية ليست كافية لأن يكون المعلم مدرّسًا للغة العربيّة، خصوصًا أن إدخال حب اللغة في نفوس الطلبة يتطلب تأهيلا مهنيًّا. وأضاف: "تم حذف الكثير من المواد الخاصّة باللغة، مثل الإنشاء والبلاغة والخط، إلى جانب تقسيم الطلبة إلى مساري العلمي والأدبي، فاعتُبرت اللغة لمن دخل المظلة العلميّة مسألة ثانوية بالنسبة له، وكان نصيبه منها ضئيلا". وأوضح جدعون أن هناك خللا كبيرًا في العملية التعليمية، صاحبه ضعف في اللغة العربية، مبيّنـًا أن ضعف المناهج وتراجعها وخلوّها من القواعد وعدم قدرتها على تشكيل مهارة لغوية، بالإضافة إلى تقليل عدد الكتب الخاصة باللغة في مرحلة الثانوية ساهم في خواء لُغوي لدى الطلبة؛ إذ إن طالب الثانوية قبل 10 سنوات كان يدرس ما يقارب ثمانية كتب متخصصة في العربيّة، في حين أنها لا تتجاوز الكتابين في الوقت الحاضر. واعتبر الناطق باسم نقابة المعلمين الدكتور أحمد الحجايا أن توجيه إصبع الاتهام الى المعلم بأنه السبب فيما وصلت إليه اللغة العربيّة هو إجحاف بحقه؛ موضحًا أن الأَولى أن تراجع وزارة التربية سياساتها وتقف أمام مسؤولياتها، وأن تخاطب وزارة التعليم العالي سعيا للوقوف على مواطن الخلل وعلاجها، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون للمعلم مساقات خاصة باستراتيجيات التدريس أدواته، ونماذجه، وأساليبه. وأضاف "الوزراة لم تراع النصاب المرهق لمعلم العربيّة، والذي يحول بينه وبين دعم وتعزيز الأنشطة اللامنهجية الخاصة باللغة لتعزيزها لدى الطلبة، كما أنها لم تولِ أهمية للمسابقات الأدبية، والقراءة، وتعزيز دور الكتاب والمكتبة لدى الطالب"، مبيّنـًا أن الحكومات المتعاقبة لم تحقق للمعلم أدنى متطلبات الإبداع في مجال اللغة العربيّة، إلى جانب البنية التحتية غير الملائمة في المدارس". وأشار الحجايا إلى أن الوزراة تجاهلت دعم المكتبة المدرسية، واتجهت في مناهجها نحو إلغاء البحث بالكتاب والمكتبة، والاتجاه نحو الشبكة العنكبوتية. وحول دور النقابة؛ بيّن الحجايا أن دور النقابة يتمثل بالبحث عن الوسائل والأدوات التي تدعم إبداع المعلم وتحقق له الأمان النفسي والمادي بالدرجة الأولى، إذ إن العبء الكبير وتعدد المهام والعقبات التي يعانيها المعلم تعد السبب الأكبر لقتل الإبداع لديه، إلى جانب العمل على استقطاب الجهات المهتمة والمعنية باللغة العربيّة وعقد لقاءات بينها وبين المعلمين لتعزيز الثقة بين الطرفين. من جانبه لفت معلم اللغة العربيّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة رمزي البدور إلى أن لغة الضاد تتعرض لانتكاسات وخيبات، وأن هذه المرحلة التي نمر بها في الوقت الحاضر هي مرحلة ضعف للغة العربيّة بلا شك لأسباب كثيرة؛ منها العولمة وما نشأ عنها من محاولة تمييع وطمس لهويتنا العربيّة ومن ضمنها اللغة، من قبل القوى العالمية المهيمنة، إلى جانب عدم اعتزاز الفرد بإرثه الحضاري القديم لوجود واقع حالي ضعيف وهزيل، إضافة إلى تقديم اللغة العربيّة للناشئة بنمطية جامدة تخلو من المرونة، وبقوالب علمية. وسائل الإعلام ومواقع التواصل وأوضح الشاعر والمعلم في وزارة التربية والتعليم الأردنية محمود البنّا أن انتشار منصّات التواصل الاجتماعي أفرز الكثير من "القيح" الكتابي و"الزبَد" الكُتّابيّ؛ وأمسى الكثيرون يكتبون بطريقة بعيدةٍ عن العربيّة، ربما ليس في شكلها، وإنما في معناها وجوهرها؛ فالتراجع عن العربيّة لا يكون في الشكل السطحي لها، إنما في التخلي عن أسسها العميقة. وأشار البدور إلى أن ما نشأ عن هذه المنصّات من الاطلاع على لهجات اللغة العربيّة واستعمالها على حساب اللغة الفصيحة؛ أفضى إلى تخلي الناشئة عن لَسَن اللغة واعتبارها مدعاة للتخلف وعدم مواكبة العصر، ناهيك عن انتشار الإذاعات المحلية في مختلف الدول العربيّة التي تقدم برامجها بلهجات محددة بعيدة عن اللغة الفصيحة، مما أوجد حالة من التعدد اللسني والفوضى اللغويّة. وبيّن بدران أن وسائل الإعلام التجارية والأعمال الدرامية أثرت على بنية اللغة لدى الأجيال من خلال انتشار برامجها باللهجة العاميّة وعدم النظر إلى الفصحى باهتمام، وذلك عززه ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت العاميّة واللغة المركبة من العربيّة والانجليزية قابلة للانتشار، الأمر الذي فاقم من حالة اليباس الذي تعيشه لغة الضاد. فيما اعتبر الناشط في هذه المنصّات علي خليفة أنها تعد مساحة تتيح للفرد القراءة والكتابة والتعبير عن آرائه وتصويب أخطائه من خلال ما تقدمه من وسائل تعليمية متعددة، كما أنها ساهمت في الكشف عن مدى القصور في إتقان اللغة من خلال المنشورات التي تزخر بالأخطاء الإملائية والنحوية، وحجم الفجوة بين الإنسان العربي ولغته من خلال ما يتم نشره عليها، وجعلت من الباحثين يسرعون في قرع الجرس. فقر ثقافي ونتيجة للانتشار الواسع للغة العربيّة في أنحاء المعمورة؛ صُنّفت العربيّة كواحدة من اللغات التي يسعى غير الناطقين بها إلى دراستها والتبحّر فيها، واعتمدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كلغة رسمية ثالثة بعد الإنجليزية والفرنسية في المؤتمر العام في دورته الثالثة التي انعقدت في بيروت عام 1948 لجعل المنشورات أكثر تأثيرًا عبر العالم، وفي عام 1974 قام المؤتمر العام لليونسكو بتعديل نظامه الداخلي بإضافة اللغة العربيّة إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية؛ لتصبح إحدى لغات عمله. وتعليقًا على ذلك، قال البنا إن اللغة العربيّة محكوم عليها، حتمًا، بالديمومة، إذ إنها رغم العديد من المحاولات الهدّامة التي تبني في الوقت ذاته أسوارًا تهمِّشها وتهشِّمها؛ إلا أنها بقيت تصارع الحياةَ، مضيفًا أن اللغة العربيّة قويّة في ذاتها، وتكوينها، وكينونتها، بغض النظر عن الكثير من الاختناقات والاحتقانات الملأى بالسلبية والهلهلة، وربما يكون ذلك سببًا في خلق الصورة السلبيّة تجاه العربيّة. وأضاف: "من هنا، إذا عرّجنا إلى ذكر أسباب تراجع العربيّة، فينبغي أن نعترف أننا نحن من تراجعنا عنها لا هي؛ وذلك يعود إلى أننا تعلّقنا بأطراف الثوب ولم نلبسه، وأصبح كلُّ واحدٍ مُفتيًا؛ يُفتي فيما يعرف بعضه ولا يدرك كُنهَهُ، فاستحال "المُفتي" إلى فاتنٍ عن جادة الصواب والصحيح". وبيّن البنّا أن ذلك تبعه النضوبُ الثقافي، الذي يعانيه أبناء جيلنا الحالي، لأننا "أمة لا تقرأ" وإن قرأت، لجأت إلى ما هو سهلٌ وبسيط وساذج وغير محتوٍ على عناصر الثقافة الدافعة بالعقل العربي إلى الأمام، وهذه الرؤية غير عامّة ولا معممة، وإنما هي في الوقت الراهن تعدّ ظاهرة تطفو على السطح، كما أن النتاج الأدبي، الذي يستخدم العربيّة ذريعة ودرعًا للظهور، عمل على تحويل العربيّة إلى سلعة تجارية رخيصة تباع على قارعة الطريق، والهدفُ منها اقتصادي بحت، دون الالتفات إلى مدى الهدم الذي يتم جرّاء نشر ما لا يحمل ثقافةً ولا فكرًا نوعيًا جديرًا بالنشر والإشهار، ومؤمنـًا أن "الثقافةَ هي أساس الحضارة، والعربيّة حضارة، إن ابتعدنا عن أسسها وعوامل ازدهارها، جعلناها تبتعد عنا عنوة". وفيما إذا كان ابتعاد الشباب عن قراءة دواوين الشعر أسهم في تراجع اللغة العربيّة، قال البنّا إن "الشعر ديوانُ العرب" فربما تكون هذه الجملة قد احتلت في التاريخ الأدبي مساحةً زمنية كبيرة، حتى أصبح يُحكم على الأمة من شعرها وشعرائها؛ وانطلاقًا من هذا الجانب، كيف يكون الحكم سليمًا إذا كان الأساس من أجل إثبات صحته خطأً؟، واللغة في دواوين الشعر القديمة سهلةٌ، حُكِمَ عليها بالصعوبة والجلافة والغرابة والغموض والإبهام، بسبب عدم امتلاكنا لثقافة تفكك شِفرات الشعر، الذي ظهر آنذاك؛ صحيحٌ أن البيئة الصحراوية في الشعر العربي جعلت من الأخير طعامًا صعب الهضم، لكن، البيئة الفكرية والثقافية تتغلب على أيّ بيئةٍ أخرى، مهما كانت، لذا فالبعد وعدم الإقبال سببه الخوف من مواجهة ثقافة سوف نسقط أمامها حتمًا؛ لأننا لا نملك ما يجعلنا ننتصر عليها ونتآلف معها، ونستوعبها. وزاد البنا: "إننا فقراء ثقافيًّا ونشعر بالقفر، حينما نتصفح "الفكر الثقافي الشبابيّ" في مجمله، وليس في شموليته، ونعاني من نضوبٍ في الفكر، مما يخلق أفكارًا هشّة، وثقافةً تتساقط أوراقها من أقلِّ هبّة ريحٍ". أقلام مهشّمة الطالب الجامعي في السنة الثالثة أحمد اطحيمر قال إنه لا يولي أهمية للكتابة الإملائية السليمة، كون تخصصه علمي لا يحتاج إلى إتقان اللغة، متسائلا: "لماذا يجب أن أتقن اللغة ومعظم دراستي الجامعية تعتمد على الأرقام والحساب؟". وبيّن أنه لا يميز بين حرفي "الضاد" و"الظاء"، كما يجهل كتابة الهمزات بأشكالها المختلفة، وحالات الإعراب. فيما برر طالب الماجستير بشار وجيه عدم إلمامه باللغة العربيّة بأنها صعبة التعلم، وأنه ينظر إليها كونها مجرد وسيلة اتصال، لافتـًا إلى أن المهم هو إيصال الفكرة لمن يريد دون النظر إلى سلامتها، موضحًا أنه استعان بمختصص في اللغة لمراجعة أطروحة الماجستير وتنقيحها من الأخطاء. أمّا الطالب رياض كريم في الصف الثامن؛ الذي رصدنا له أخطاء بالجملة في دفاتره المدرسية والنصوص الإنشائية التي كان يُكلّف بها من قبل المعلمين، برر ذلك بأنه لم يُؤسّس على اللغة العربيّة في الصفوف الابتدائية، ولم يستوقفه أحد من معلميه أو من أسرته جراء أخطائه الإملائية واللغويّة المتكررة، ولم يُشعره أحد بأهمية العربيّة، مشيرًا إلى أن المهم هو الإجابة بمعلومات صحيحة في الامتحانات، بصرف النظر عمّا إذا كانت اللغة سليمة أم لا. حمزة العلي يعمل في مطبعة، قال إن الإدارة اضطرت إلى تعيين مدقق لغوي بعد فيض الشكاوى التي كانت ترد إليهم عقب طباعة الآرمات والبطاقات؛ بسبب أن الموظفين لا يُلمّون باللغة العربيّة مما يجعلهم يقعون في أخطاء إملائية ونحويّة جمّة. الطريق نحو العلاج الحجايا قال إنه لا توجد وصفة جاهزة لإصلاح مركب لغة الضاد، وإن ذلك يحتاج إلى إعداد خطط لسنوات؛ تبدأ من الطفل في المرحلة العمرية الأولى، كما ينبغي تفعيل دور وزارة الثقافة وإخراجها من غرفة الانتظار. ولفت الشريدة إلى أن اللغة العربيّة يجب أن تكون على رأس أولويات الباحثين، وأن وسائل المعالجة تكمن في وقوف الجهات المعنية عند مسؤولياتها تجاه الجيل؛ سواء الأسرة أو المدرسة أو الوزارات المعنية، وإيكال مهمة التعليم المدرسي إلى أشخاص لديهم قدرات في اللغة والثقافة العامة ومتطلبات العملية التعليمية بمجملها. من جانبه دعا الزينات الدولة لإعادة النظر في سياستها تجاه العربيّة، والكف عن العبث في المناهج، والبدء بشكل عملي في إعادة إحياء لغة الضاد لدى الناشئة. ونادى جدعون بضرورة إجراء عملية جراحية عميقة للجسم اللغوي، تبدأ من إحداث ثورة في المناهج بما يجعلها قادرة على احتواء الخلل، وتأهيل المعلمين مهنيّـًا، ومعالجة الاكتظاظ الذي تعاني منه الصفوف في المدارس الحكوميّة، وتوفير بيئة صفية مناسبة للطلبة. الناطق باسم نقابة المعلمين أحمد الحجايا لفت إلى ضرورة أن تتنبه الوزارة إلى محاور ومرتكزات التطوير الأساسية وهي "الطالب والمنهاج والمعلم"، والبدء بقاعدة الهرم لا من قمته؛ فالاصلاح يبدأ من الأساس؛ أي من الصفوف الثلاثة الأولى ثم ينطلق نحو القمة. وزاد: "المناهج الأردنية بحاجة إلى بناء جديد يعتمد على نماذج حديثة، بعيدًا عن الحشو والتكرار الممل، الذي يدفع نحو المزيد من الكراهية والإخفاق لدى الطالب أو حتى لدى المعلم". وبيّن مدير ثقافة محافظة الطفيلة الدكتور سالم الفقير أنه يجب الاستعانة بتجارب الدول المتقدمة في اللغة العربيّة وعدم اللجوء إلى تطبيق تجارب اللغة اﻹنجليزية عليها، والاهتمام بالقرآن الكريم وتفاسيره بشكل أكبر.
2017/07/18