Zenko Magazine
طلبة "الأردنية" يطرحون أسئلة الحرية والهوية ومعنى التفكير بوعي عميق
أخبار الجامعة الأردنية (أ ج أ) د.هيا الحوراني- للعام الرابع على التوالي يحرص طلبة من تخصصات مختلفة في الجامعة الأردنية على إقامة "الأسبوع الفلسفي" منطلقين من فهم واضح لمعنى الفلسفة بعيدا عن أي مفاهيم مدرسية تحصرها في أنها نسق من المعارف الفلسفية أو المعارف العقلية القائمة على التصورات؛ إنها كما يرون العلم بالغايات الأخيرة للعقل الإنساني، وعليه فهي واحدة من أهم مجالات الفكر في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة.
 
 
وأظهر الطلبة عمقا في قدرتهم على تقديم الفلسفة بمفهومها الدقيق المتضمن دعوة للانعتاق والحرية في التفكير، ولكي تكون للأفراد  قيمة لا بد من تحررهم في الفكر، ذلك أنه ليس للعلم بحد ذاته قيمة حقيقية إلا بوصفه أداة للحكمة.
 
 
وفي ذلك يصبح تعلم الفلسفة على نحو من الأنحاء ممكناً باستخدام العقل بطريقة حرة، لا بطريقة تقليدية إذا جاز التعبير، وقد تجلّى ذلك كله فيما قدمه الطلبة من محاور ربطت الفلسفة بغيرها من العلوم والمعارف.
 
 
ومن أهمّ ما يميّز أسبوع الفلسفة في الجامعة الأردنيّة القائم منذ أربع سنوات، كما تقول الدكتورة بلقيس الكركي من قسم اللغة العربية في الجامعة قيام مجموعة من الطلاّب المهتمّين بالفلسفة، وهم من تخصّصات شتّى، على تنظيمه وانتقاء المحاضرين وفق معايير بعيدة قدر المستطاع عن منطق المجاملة والبريق المزيّف. ولقد تشرّفت بالمشاركة فيه ثلاث مرّات، شاركتني في آخرها ليلى العاجيب خرّيجة قسم الفلسفة وهي التي تقوم منذ أعوام على ضمان استمراريّة الأسبوع حتّى بعد تخرّجها.
 
 
وبشكل خاصّ، حسب الكركي، فإنّ ما ميّز أسبوع الفلسفة هذا العام هو إصرار المنظّمين (ليلى العاجيب من الفلسفة وعبدالعزيز الوثيري من الهندسة) على إشراك طلاّب من كليّة الشريعة في الأسبوع، إضافة إلى ورقة حول الفلسفة والدين قدّمها الدكتور نارت قاخون؛ وذلك رفضاً منهم - حسبما أعتقد – لأن تصبح الفلسفة وأقسامها ومناهجها محض أداة لمحاربة التطرّف والإرهاب، وتحويلها من علم إلى خطاب "متطرّف"، على حساب ثقافة حقيقية في تاريخ الفكر العربيّ الإسلاميّ بكلّ مذاهبه، بل أحياناً على حساب لغة عربيّة سليمة تُستبدل بها عامّيّة تعتقد أنّ بإمكانها التفكير فلسفيّاً. 
 
 
وتضيف الكركي أن محاولة المشاركين إعادة الأمور إلى نصابها العلميّ الصحيح: بأن لا تغيب المعتزلة عن سؤال الحريّة، ولا الوحي عن سؤال الفلسفة، ولا الشنفرى عن سؤال الهويّة، ولا الفنّ عن معنى التفكير كما تجلّى في المشهد المسرحيّ الساخر الذي قدّمته الطالبة مرح القيسي بحرفية وإتقان، دليل على بلوغ الطلبة مستوى معرفيا يمكن من خلاله أن نأمل بحركة فكرية طلابية قادرة على مواجهة كل محاولات حصرها في صورة نمطية لطلبة تقليديين، بل هم طلبة يقاومون كي لا تبقى الفلسفة رهينة أي مزاج سياسيّ من جهة، أو جهل بالتراث من جهة ثانية.
 
 
الدكتور نارت قاخون من جامعة آل البيت وصف احتفاء طلبة الجامعة الأردنيّة بالفلسفة أنه فلسفيّ بنفسه؛ فهو تنظيم طلبة أرادوا أن يكونوا شعلة تنير ليكون احتفاؤهم بالفلسفة فلسفيّاً ببرنامجه وإعداده والتغلّب على مصاعبه، فالمحاور حقيقيّة تشتبك بأسئلة الفلسفة والواقع الذي تنطلق منه، ومشاركاتهم عالية المستوى تنبئ عن وعي حقيقيّ ومحاولات جادة لاجتراح مقامات فلسفيّة تبثّ الأمل بالقادم رغم شدّة التّحديّات وجذريّتها.
 
 
وقد كان تنظيم الطّلبة كما يرى مثالاً لذلك الحراك الثّقافيّ الذي يُمكن للجامعات أن تنهض به بعيداً عن شكلانيّة الأكاديميا وفجوات تواصلها ووعيها مع واقع المعرفة الفلسفيّة ومنعرجاتها.
 
 
وأضاف قاخون أن المحاضرة التي قدمها في اليوم الأول من الأسبوع بعنوان "فلسفة الدّين: مسارات البحث الفلسفيّ في الدّين بين مقبوليّة الاتّفاق وتضاديّة الافتراق" جاءت لتقترح ممكنات الالتقاء في رحاب "العقلانيّة" بوصفها منظومة تقيم الاتّساق بين الأفكار في إطار ناظم لمشروعيّة سؤال "المعنى"؛ سؤال "لماذا؟".
 
 
الطالب عبد العزيز الوثيري من كلية الهندسة وأحد أهم المنظمين لهذا الأسبوع يوضح أن فكرة الأسبوع الفلسفي تُعنى بشكل أولي بالصورة النمطية المأخوذة عن الفلسفة ومحاولة تغييرها من خلال إبراز ارتباط الفلسفة بالموضوعات الواقعية وعلاقتها بها، فكانت مهمة الأسبوع الفلسفي توضيح الأهمية التي تحملها الفلسفة ونقلها من الأوساط النخبوية والأكاديمية المتخصصة لتكون حالة اجتماعية يمكن تداولها ببساطة ويسر.
 
 
ويقدم أوراق الأسبوع في العادة عدد من الشباب والطلبة المهتمين في الفلسفة بشكل شخصي، وتقوم المعرفة التي يحملونها على القراءة الذاتية والبحث الشخصي بعيداً عن الاختصاص الأكاديمي، وذلك مما ساعد على جعل الأسبوع أقرب الى الجمهور والمتلقي، وجعل فكرة ارتباط الفلسفة بالاختصاص والأكاديميا والحالة النخبوية أقل حضوراً.
 
 
تناول الأسبوع الفلسفي على مدى أربع سنوات عددا من المواضيع والأفكار التي ترتبط ارتباطاً حقيقياً بالواقع إن كان الاجتماعي أو الشخصي وحتى السياسي، من الفلسفة وعلاقتها بالعلم الطبيعي، إلى فلسفة الدين وعلاقة الفلسفة بالسينما والفن والأدب، وأسئلة أكثر تماساً مع القضايا الراهنة كسؤال الحرية والهوية.
 
 

 

وعن فكرة الأسبوع الفلسفي تقول خريجة قسم الفلسفة ليلى العاجيب إنها بدأت قبل أربع سنوات بمقترح من الدكتور ضرار بني ياسين حين لفت نظرهم إلى ضرورة تنظيم نشاط خاص باليوم العالمي للفلسفة الذي يصادف الخميس الثالث من شهر تشرين الثاني من كل عام، فانبثقت فكرة بعيدة عما هو مألوف وتقليدي من إقامة ندوة أو محاضرة عابرة، وأصبحت نشاطا طلابيا بحتا لا يشتمل فقط على طلبة القسم بل جميع الطلبة المهتمين بالفلسفة في الجامعة، أسميناه الأسبوع الفلسفي.
 

 

 
وعكف الطلبة على مدار أربع سنوات على إقامة أسبوعهم بعيدا عن الصبغات الرسمية في شكله، وبعيدا عن الخطاب العام في مضمونه؛ فغالبية أوراقه هي لمشتغلين بالفلسفة أيا كان تخصصهم، فناقشوا الفلسفة والدين، والفلسفة والعلم، والفلسفة والأدب، والفلسفة واللغة، والفلسفة والسياسة قدمها من هو قادر على تقديم ورقة معرفية جيدة بأسلوب يفهمه الجميع بهدف نشر الفلسفة في المجتمع الجامعي بشكل بسيط لا تثقله الخطابات التي يلقيها من يزعمون احتكار المعرفة.
 
 
متابعو هذا الأسبوع حفظوا موعده وباتوا ينتظرونه كل عام؛ لأنهم جزء منه وليسوا جمهورا فقط، فهو مفتوح لمن يود المشاركة على أن يقدم محتوى معرفيا جيدا، ولا يقتصر على طلبة بأعينهم للمشاركة في التنظيم، فالمهام تتوزع تطوعا وتبرعا من الطلبة أنفسهم بين تصوير الجلسات والمحاضرات وتوثيقها، ونشرها على الصفحة الخاصة بالأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي يتبرع أيضا أحد الطلبة بتصميمها وإنشائها.
 
انتـــــــــــــــــــهى
 
2017/11/19