Zenko Magazine
الملك يقود دبلوماسية نشطة لمواجهة قرار ترمب وتبعاته

يحشد الاردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني جميع جهوده على مختلف المستويات والجهات لمواجهة اعتراف الرئيس الاميركي ترمب بالقدس المحتلة عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، الذي يضرب بالحائط القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والثنائية.


المتتبع للحراك والتحركات والمواقف الاردنية، يرى انها لم تكن ردة فعل على القرار، إنما تحركات مستمرة منذ سنين، وان جهود جلالة الملك كانت وما تزال تنصب على مركزية القضية الفلسطينية، ليس في المنطقة او الاقليم، إنما في العالم، ويجب ان تكون ذات اولوية، وهو ما تجلى في جميع المباحثات واللقاءات التي كان يعقدها الملك في جميع إنحاء المعمورة.


ورغم حالة التوتر التي تسود المنطقة، إلا أن جلالة الملك، كان الوحيد الذي يحرص ويؤكد دائما في المحافل الدولية وفي لقاءاته مع قيادات الدول الصانعة للقرار الدولي والمؤثرة فيه، بمركزية القضية الفلسطينية وضرورة اطلاق مفاوضات جادة بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتركيز على أهمية الوضع في القدس المحتلة، بإعتبارها احدى أهم قضايا الحل النهائي، الذي يجب معالجته عبر مفاوضات جدية بهدف الوصول الى حل شامل يعالج جميع القضايا.


وفي قمة عمان، شدد جلالة الملك على اهمية اعطاء الاولوية للقضية الفلسطينية، رغم ما تشهده المنطقة من ازمات وصراعات، وهذا التحذير، كان يجب ان يحظى بموقف عربي قوي ومساند لجهود الاردن ، بما يضمن التعاطي مع تداعيات حذر منها جلالة الملك مرارا.


وتنطلق الرؤية الاردنية بإعتبار أن القدس المفتاح الرئيسي لحل النزاع العربي- الاسرائيلي الذي يجب ان يفضي الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.


ورغم تعارض القرار الاميركي مع القانون الدولي والقرارات والمواثيق الدولية وقرارات الجمعية العامة المتعدد وقرارات مجلس الامن، وهو ما اشار اليه العديد من ممثلي الدول في جلسة مجلس الامن امس الاول، إلا ان هذا الواقع، يتطلب مزيدا من الجهود، ليس فقط من الدبلوماسية الاردنية، بقيادة الملك، إنما من الدبلوماسية العربية والاسلامية والدولية، لما قد ينتج عن القرار الاميركي من أثار تعقّد الوضع للوصول الى حل شامل.


وبهذا الصدد يرى الخبير القانوني، عميد كلية الحقوق في الجامعة الاردنية الدكتور فياض القضاة ان قرار ترمب ، يعتريه مخالفات واضحة وصريحة للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية في بنودها المتعلقة بالمناطق المحتلة، والاتفاقيات الثنائية الموقعة بين اسرائيل ودول عربية.


ويقول الدكتور القضاة أن معاهدة جنيف 1949 تشترط على الدول المحتلة عدم التغيير في الاراضي المحتلة، وان جميع قرارات الامم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الامن تعتبر مدينة القدس ارضاً محتلة، ولا يوجد اي قرار يعتبرها جزءا من إسرائيل.


ويعتبر ان القرار الاميركي مخالفة صريحة لان من شأن ذلك اجراء تغيير على المدينة التي تصنف بانها ارض محتلة.


الى جانب ان القرار الاميركي يعتبر مخالفة لاتفاقيتين اقليميتين، الاولى مع السلطة الوطنية الفلسطينية «اوسلو» الموقعة مع اسرائيل وإتفاقية السلام بين الاردن واسرائيل، إذ ان كلتا الاتفاقيتين اعتبرتا ملف القدس مرتبطاً بملفات الحل النهائي، الى جانب المخالفة للاتفاقتيين، فإن القرار الاميركي ايضا يتعارض مع دور الولايات المتحدة بإعتبارها راعية للسلام، الذي يجب ان تكون مهمتها كراعية للسلام، تسهيل التفاوض والوصول الى حل الدولتين، إلا ان نقلها لسفارتها واعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل يعد مخالفة لاهم واجباتها واصبحت منحازة لاحد اطراف النزاع وفقدت مصداقيتها.


ويشير الدكتور القضاة الى ان اتفاقية السلام مع اسرائيل، تعطي الوصاية على المقدسات الدينية الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس للاردن بإنتظار الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وانها بهذا القرار خالفت الاتفاقية الموقعة بين الاردن واسرائيل، إذ ان «الاخيرة» قد تستغل القرار الاميركي لتنفيذ اجندتها بإتجاه تغيير الواقع بما يخدم مصالحها ويعقد ويصعب الوصول الى حل شامل وعادل للقضية.


الى جانب ان القرار يتعارض ايضا مع الجهود الدولية المتعاقبة وخاصة ما تم الاتفاق عليه في مدريد واتفاق اوسلو واتفاق واي ريفر والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.


ويستغرب القضاة ان تقوم اميركا بمخالفة اتفاقية السلام، وهي التي تعد بحكم وزنها الدولي ضامنة للسلام.


ويرى القضاة ان محكمة العدل الدولية، هي المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات الدولية، وانه يمكن التقدم بدعوى للبت في مخالفة القرار للاتفاقيات الدولية والثنائية والقانون الدولي، التي تعتري قرار الرئيس الاميركي.


فالقرار الاميركي يخالف العديد من قرارات الامم المتحدة سواء الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الامن والمواثيق الدولية وكذلك القانون الدولي، فالقرار (181) الصادر عن الجمعية العامة ينص على منح القدس وضعا دوليا خاصا، ومن قرارات مجلس الامن القرار رقم (478) الذي ينص على عدم الاعتراف بسيادة سلطة الاحتلال في القدس او الاجراءات التي تتخذها، والطلب من اعضاء الامم المتحدة احترام القرار وسحب اي بعثات دبلوماسية من القدس.


في ظل هذ الوضع القانوني، الذي يؤكد ان قرار ترمب مخالف للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية، التي كانت برعاية اميركية، فإن ذلك لن يغير من الحقائق على ارض الواقع او تلك التي تنص عليها الاتفاقيات القانونية الملزمة فيما يخص وضع المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف والوصاية الهاشمية عليها والدور الاردني في حمايتها ورعايتها، وما حدث في الفترات السابقة يدلل على الموقف الاردني الحاسم بهذا الاتجاه.


الردود الشعبية العربية والاسلامية والاجنبية الرافضة للقرار، يجب ان تساندها مزيد من الجهود السياسية والدبلوماسية، إذ ان قرار الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل، قد تنتج عنه تبعات على مستويين، الاول، من قبل حكومة الاحتلال الاسرائيلي لتجسيد واقع يحول دون العدول عن القرار او العمل على تحقيق ما تصبوا اليه من تغيير معالم المدينة لجهة تهويدها، مستندة الى ما قد تعتبره «تفويضا» اميركيا بذلك، من حيث التوسع بإجراءاتها الاحادية غير القانونية وعلى راسها التوسع الاستيطاني.


اما المستوى الثاني، والذي سيكون له انعكاسات، ليست مقصورة على «القضية الفلسطينية»، إنما تشمل المنطقة والاقليم والعالم، فخطوة الرئيس الاميركي، قد تشكل حافزا للجماعات الارهابية التي ستستغل هذا الموقف لخدمة اجندتها الارهابية، لتجد من «الموقف الاميركي المنحاز» تبريرا لتنفيذ عمليات لها «عابرة لحدود المنطقة والاقليم»، تحت عنوان الانتصار الى القدس لادراك هؤلاء أهمية هذه المدينة ومقدساتها الاسلامية والمسيحية لدى الشعوب العربية والاسلامية، وكذلك ممارسة حرب اعلامية لتقويض الجهود والتحالفات الدولية لمحاربة الارهاب في مختلف ارقاع الارض، والتي تشترك فيها الدول العربية والاسلامية.


والمستغرب في الموقف الاميركي، عند اتخاذ هذا القرار، انها تناست او تجاهلت، انها قدمت مبررات لمزاودات أطراف اقليمية، على راسها ايران لكسب الشعبية، على حساب دول الاعتدال، التي تنطوي داخل التحالفات الدولية لمحاربة ومكافحة الارهاب والعمل على ضمان عدم التدخلات الخارجية في دول المنطقة، خصوصا وان الرئيس الاميركي، في تصريحاته ولقاءاته خلال الفترة الماضية ينتقد سياسات ايران، وهو بنفس الوقت بقراره الاخير، يمنحها الفرصة لكسب الشعبية!


خطورة الموقف، تتطلب مساندة عربية واسلامية ودولية للجهود التي يبذلها الاردن، وعدم تركه لوحده ويجب ان يحاط بدعم من محيطه العربي والاسلامي والدولي، من منطلق المسؤولية التي تترتب على العالم أجمع، لما قد يكون للقرار الاميركي من تبعات، اضافة الى استثمار الرفض الواسع من العديد من الدول للقرار قبل وبعد إعلانه، فالظرف الحالي يتطلب ويتوجب ان يكون هنالك موقف عربي أقوى ومساند للدور الاردني وجهود جلالة الملك.


ويتطلب ان تنصب الجهود في أكثر من محور منها العمل على ضمان المواقف الدولية الداعمة للحقوق الفلسطينية في القدس والتأكيد على حل الدولتين بصورة مكثفة ومستمرة من جهة، وضمان استقطاب مواقف دولية لنصرة الشعب الفلسطيني في حقوقه وضمان ان لا تكون الخطوة الاميركية محفزة لدول اخرى بأن تحذو حذوها.


وبهذا الصدد، فإن الاردن يكثف جهوده بقيادة جلالة الملك واتصالاته مع زعماء العالم والدول العربية والاسلامية، حيث دعا الاردن لاجتماع طارئ للجامعة العربية واجتماع استثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامية تمهيدا لعقد اجتماع للمنظمة.


الى جانب ان مواجهة القرار يجب ان ترتكز على ضرورة الحث على المضي قدما في عملية السلام والتأكيد على حل الدولتين وان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وعدم منح الفرصة لاسرائيل مبررات واعطائها مسوغات لاستخدامها ضد الشعب الفلسطيني والعربي مع الادارة الاميركية خلال الفترة القادمة.


الجهود الدبلوماسية التي يقودها الاردن، خلال الفترة الحالية، تتطلب تضافر جهود عربية واسلامية ودولية، ليس فقط من أجل تراجع الادارة الاميركية عن قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة اليها، إنما بما يعزز الجدية لدى المجتمع الدولي للمضي قدما في عملية السلام للوصول الى حل شامل وعادل قائم على اساس حل الدولتين، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.  حاتم العبادي 



 
2017/12/10
جهد أردني يحتاج لدعم عربي واسلامي ودولي لحماية القدس