Zenko Magazine
الخصاونة يعاين العلاقة بين القانون الإسلامي والقانون الروماني

​أخبار الجامعة الأردنية (أ ج أ ) فادية العتيبي- قال رئيس الوزراء الأسبق عون الخصاونة إن هناك جدلا واسعا لم يحسم بعد بين أوساط المهتمين من الباحثين والمستشرقين حول ماهية العلاقة بين القانون الروماني والقانون الإسلامي، بدأ منذ ثلاثة قرون واشتد أواخر القرن التاسع عشر حين لاحظ المستشرقون أن هناك تشابها في الهيكل العام للقانونين الروماني والإسلامي وأحكامهما.

 

جاء ذلك في محاضرة ألقاها في الجامعة الأردنية بعنوان" العلاقة بين القانون الروماني والقانون الإسلامي" ضمن فعاليات  دورة اللغة اللاتينة المكثفة التي تعقدها حاليا بالتعاون مع المعهد الإيطالي للدراسات الكلاسيكيّة  في روما، بحضور عدد من نواب رئيس الجامعة وكبار المسؤولين والمهتمين والطلبة.
 
 
وأشار الخصاونة في محاضرته إلى انقسام الباحثين وجلهم من المستشرقين بالقول بأن القانون الإسلامي تأثر بالقانون الروماني مباشرة حتى ذهب أحدهم بالقول بأن الشريعة ما هي إلا ترجمة للقانون الروماني إلى العربية وإلى أولئك القائلين بأن القانون الإسلامي تأثر بالقانون الروماني السائد في سوريا وقت الفتح الإسلامي، مستدلين على ذلك على سبيل المثال في أن كلمة سنة ترد بمعنى قانون وأن نظام العصبة في الميراث الموجودة في الشريعة هي فكرة شرقية دخلت القانون الروماني ولم تكن أساسا منه.
 
 
وفي المقابل، وبحسب الخصاونة، ذهب كثير من الكتاب المسلمين إلى القول بأن القانون الإسلامي قائم بنفسه ومستقل عن غيره، مستدلين على ذلك ضمن أدلة منها بأن المراكز التي تطور فيها الفقه الإسلامي كالمدينة المنورة والكوفة والبصرة لم تكن خاضعة لحكم الرومان وأنه لا توجد إشارة واحدة تنم على أن الفقهاء قد أخذوا فكرة واحدة من أحكام ومؤسسات القانون الروماني على عكس الفلسفة التي اعترف المسلمون بأصلها اليوناني.
 
 
وأكد الخصاونة أن هذا الجدل الذي لا يزال مستمرا، يتعدى في إطاره موضوعا قانونيا بحتا، وله انعكاسات على عالمنا الحاضر خصوصا في زمن كثر فيه الحديث عن صراع الحضارات، مشيرا في ذلك إلى نواح ثلاث نبصر فيها تلك الانعكاسات هي أن هذا الجدل يثير تساؤلا ما إذا كان من الممكن لقانون ما أن يصدّر من حضارة إلى أخرى، وأن يعيش في تربة غير تربته، والمنحى الثاني يتعلق بموضوع حقوق الإنسان والقيم الحضارية ومدى سيطرتها على عالم متعدد الثقافات، وأخيرا دخول القوانين والأفكار القانونية الغربية إلى الدولة العثمانية والتي سميت مجازا بالإصلاحات.
 
 
وأوضح الخصاونة في معرض حديثه، أن القانون الروماني يفقد صفته المقصورة على الرومان أنفسهم، حيث أخذ رجال من أرض سوريا يساهمون بشكل ملحوظ ومعترف به في وضع القانون الروماني وتطويره من خلال شرح وتفسير النصوص القانونية المتناثرة وكان هذا يتم عادة بإعطاء آراء قانونية غير ملزمة بالمعنى الواسع وهو أن شهرة هؤلاء القانونيين ومعرفتهم العميقة كانت تعطي هذه الآراء ثقلها المعنوي.
 
 
ونوه الخصاونة إلى أن تطور القانون الإسلامي من حيث المبنى كان تقريبا مطابقا لتطور القانون الروماني، فبعكس الدولة الوطنية الحديثة التي يتم فيها وضع تشريعات وتشريعات فرعية من قبل الدولة نفسها، بوجهيها التنفيذي والتشريعي، فإن تطور القانون الإسلامي كان يتم بأقل قدر ممكن من تدخل الدولة، وكان متروكا للفقهاء إما عن طريق الفتاوى التي كانت تقوم بنفس المهمة التي كانت تقوم بها الآراء القانونية في العهد الروماني، حيث كانت تجمع من قبل عالم واحد أو من مجموعة علماء، وفي كثير من الأحداث كانت تجمع لتحتوي على الفقه على مذهب واحد، مؤكدا وجود دليل قاطع أن هذه الطريقة في التطور لم تؤخذ من الرومان.
 
 
وقال الخصاونة ما يمكن التأكد منه هو أن موضوع القانون كان مركزيا في الحياة العامة، وأن الحاجة كانت ماسة إلى إيجاد حلول تقوم على خبرة المتخصصين لتفسير النصوص المقدسة من القرآن الكريم والسنة النبوية حيثما كان هناك موضع للاجتهاد، وكان على العلماء والفقهاء إيجاد حلول تناسب العصر وقد تجلى ذلك في تطور فكرة المصالح المرسلة وفكرة مقاصد الشريعة.
 
 
واعتقد الخصاونة بعد عرضه لكثير من الأدلة والاستشهادات بوجود تأثير للقانون الروماني على الفقه الإسلامي في قرونه الأولى، لا بمعنى النقل أو الأوامر من الخلفاء بالأخذ بالقانون الروماني كما حدث في أوروربا وإنما من خلال الفقهاء أنفسهم الذين أدى إعمالهم للمنطق القانوني المتأثر أصلا بالإغريق إلى حلول مشابهة لما هو موجود في القانون الروماني، لافتا إلى أن هذا التأثير لا يعيب القانون الإسلامي ولا ينتقص من قيمته، فهو قانون قائم بنفسه وجامع في قدرته على حل النزاعات وتثبيت الحقوق.
 
 
وختم الخصاونة محاضرته بعبرة مفادها أن تلاقح الأفكار يثري الحضارات، وحتى يحدث يجب أن يكون دون فرض هذه الأفكار من الخارج ودون الادعاء بأن هذه القيم الحقيقية أو المدعاة لحضارة ما هي أعلى من قيم حضارات أخرى، مؤكدا أن أي تغيير يجب أن يرتكز على تراثنا الحضاري وأن يكون منفتحا على الحضارات الأخرى يأخذ ما يناسبه منها، الأمر الذي حدث تماما في تأثر القانون الإسلامي بالقانون الروماني ما يجعل دراسة تلك الحقبة مهمة في الوقت الراهن.
 
 
انتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
 
2018/07/24