Zenko Magazine
هدیل أبو صوفة تروي من فوق کرسیها المتحرك سیرة حیاة مغلفة بالنجاح

​مدیرة تكره طالبة، تتعامل معھا بشكل سیئ، لا تقدر ظروفھا الصحیة، تظن أنھا عثرة في حیاتھا“.. لكن ذلك لم یثن عزیمة تلك الطالبة ونجحت في تخطي ما واجھتھ. ھذا السیناریو لا یعكس معاناة طفلة في مسلسل كرتوني، بل ھي قصة حقیقیة لفتاة تدعى ھدیل أبو صوفة، التي تلازم كرسیا متحركا منذ كان عمرھا أحد عشر عاما، إثر حادث سیر.

كنا في رحلة عائلیة إلى العقبة، وفي طریق العودة إلى عمان، تعرضنا لحادث سیر، كنت مخرجة رأسي من النافذة، طرت من السیارة، اصطدم ظھري بصخرة“، ھكذا تصف أبو صوفة، المدربة والمستشارة في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
تقول ”كسرت تلك الحادثة عمودي الفقري، نتیجة الاصطدام، والتحریك الخاطئ الناجم عن محاولات الإنقاذ، ثم تعثر الوصول إلى عمان والنقل إلى المستشفى، أدى إلى ضغط كبیر في النخاع الشوكي، وبالتالي إصابتي بالشلل النصفي“. ھذه الحالة لم تعن الكثیر لھدیل، مع مساندة أھلھا وأصدقائھا، الذین لم یشعروھا بالتحول والتغیر في حیاتھا، مبینة أنھا كانت فتاة شقیة ذات طاقة كبیرة وبقیت كذلك.
لكن كثرة العلاج والعملیات التي خضعت لھا، صعبت من حیاتھا الدراسیة، فاتفقت والدتھا مع مدیرة المدرسة على أن تجد طریقة لجعل ابنتھا تتخطى الصف الخامس براحة كباقي زمیلاتھا، وبعد وعود المدیرة، إلا أنھا رسبتھا صفا. معاملة المدیرة القاسیة لھا أشعرتھا بالحزن والیأس، وما خفف علیھا ھو وجود صدیقاتھا ومعلماتھا، وعلى الرغم من كلام المدیرة القاسي ونظراتھا السیئة، ووصفھا لھدیل ”أنت حجر عثرة في حیاتي“، إلا أن الجانب الإیجابي لمن حولھا دفعھا لإبعاد الیأس وإكمال تعلیمھا. وتقول ھدیل أبو صوفة، إن ھذه المدیرة تسببت لھا بالحزن فعلا والخوف، لدرجة أنھا لم تكن تخرج من صفھا قبل أن تتأكد أن المدیرة بعیدة، للتخفیف من حجم الكره الذي تشعر بھ تجاھھا. في الصف السادس وقبل شھر من انتھاء الفصل الدراسي، أصیبت ھدیل بتقرحات، وخضعت لعلاج طویل، تدخلت والدتھا لإقناع المدیرة أن تتقدم للامتحانات في المستشفى، لكن المدیرة التي بینت أن علامات ھدیل تغنیھا عن القیام بھذه الحركة، رسبتھا للمرة الثانیة، مما سبب صدمة لھا ولعائلتھا
 المدیرة أصرت على فعلتھا، على الرغم من مراجعة أھلھا وزارة التربیة والتعلیم، التي وافقت على ترفیعھا صفا نظرا لعلاماتھا المرتفعة وظروفھا الخاصة، بموافقة المدیرة، والتي لم تسمح لھا بتخطي المرحلة. عند وصولھا للصف السابع ونجاحھا، احتفل أھلھا بھا، وتقول ”في كل مرة أشعر بأني أقوى من قبل، وعلي إثبات ذاتي من خلال الاجتھاد والدراسة وتعویض ما فات“. في تلك السنة خرجت المدیرة من مدرستھا، لتبدأ حیاتھا بالاختلاف للأفضل، ومن نجاح إلى آخر، خصوصا أن المدیرة الجدیدة كانت داعمة لھا ومؤمنة بقدراتھا، وتفتخر بھا أمام ضیوف المدرسة، وفي أیام النشاطات، حصلت ھدیل على دور المرشدة المدرسیة في یوم قیادة الطلبة، وھو یوم لتبادل الأدوار؛ إذ یأخذ بعض الطلاب أدوارا إداریة في المدرسة. وھنا بالفعل قابلت بعض الطلاب وأسدت لھم نصائح، وساعدتھم على تخطي مشاكل، ومنحتھا المدیرة دورا مھما في شرح مشروع المدرسة في الفیزیاء أمام مشرفین من وزارة التربیة والتعلیم. فصل آخر في معاناة ھدیل بدأ بعد انتھاء المرحلة الإعدادیة؛ إذ توجب علیھا البحث عن مدرسة ثانویة، ولم تجد مدرسة ولا حتى خاصة تقبل بھا، حتى أن إحدى المدیرات قالت إنھا تھاب أن یخافھا الطلاب الآخرون، وتؤثر على المدرسة
 وتؤكد ھدیل أن المدارس لم تكن مھیأة، وتكثر فیھا الأرصفة والأدراج، مما صعب عودتھا إلى المدرسة الثانویة التي تتأھل إلیھا تلقائیا بعد الإعدادیة، مع الكرسي المتحرك الذي بات جزءا منھا، لذا قام والدھا بھذه المھمة بدلا من المدرسة. حصلت ھدیل على معدل 85 ،بالفرع العلمي، وكرمھا الأمیر رعد، ودرست في الجامعة الأردنیة، بتخصص علم وتكنولوجیا الغذاء.
وھنا بدأت مرحلة أخرى من حیاتھا، قد تكون الأصعب، ففكرتھا عن الجامعة أنھا مكان للعب والمرح والدراسة وتكوین العلاقات والصداقات، تھدمت بفعل الواقع، فالسیر والوصول إلى المحاضرات كانا من أصعب ما یمكن، فكانت تصل إلى محاضراتھا عن طریق حمل خمسة شباب لكرسیھا الكھربائي المتحرك، بسبب عدم توفر المصاعد والمنحدرات.
تقول ”في كثیر من الأوقات لم أجد أحدا یساعدني، وبعض الأساتذة لم یراعوا ظرفي، وآخرون توصلوا إلى أنني في المكان الخاطئ، وأن علي ترك الكلیة والذھاب إلى التخصصات الأدبیة، التي یتوفر عندھا جزء من البنیة التحتیة، التي قد تساعدني على التحرك“
. وتضیف ”في أحد الأیام سمعت بدورة عن حقوق الإنسان والأشخاص ذوي الإعاقة، سجلت بھا، حضرتھا، وعرفت أن كل ما یحدث معي ھو انتھاك لحقي في التنقل والتعلم، واقتحام لخصوصیتي من خلال حمل الكرسي، ومنذ ذلك الوقت، رفضت ھذه الطریقة تماما، في الوصول لأي مكان“. لكن ھذا ما جعلھا تفكر بأول مبادرة لھا ولأشخاص من ذوي الإعاقة، زملاء لھا في الجامعة یعانون من انتھاك الحقوق، وكانوا یعتقدون أن التعامل الطیب وتیسیر أحوالھم لطف من بعض الناس، لكن في الحقیقة ما ھو إلا حق مكتسب لا یعونھ، ومن ھنا جاء اسم المبادرة ”صار وقتھا“
 وبالفعل، باتوا لا یأكلون ولا یشربون في الجامعة حتى لا یضطروا إلى دخول الحمامات غیر المھیأة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، وھو أمر تسبب بردة فعل جیدة، وتدخلت الوكالة الأمیركیة للتنمیة الدولیة ”USAID ،”لإقامة مشروع بالمشاركة مع رئیس الجامعة د.خلیف الطراونة، وبعد عام حصلوا على نحو 80 % من مطالبھم. وتوفرت بعد ذلك، الكثیر من المصاعد في الجامعة، بالإضافة إلى عدد أكبر من مترجمي الإشارة؛ إذ كان طلاب الصم والبكم یدرسون 4 تخصصات فقط، أما الیوم فیستطیعون دراسة 13 تخصصا منھا العلمي، وتم إعطاؤھم زیادة على وقت طلاب الجامعة في الامتحانات لمن یعاني من الإصابات السمعیة والبصریة وإعاقة في الأطراف العلویة
 ومن الإنجازات أیضا؛ توفیر الطاولات والكراسي المتناسقة مع ارتفاع ذوي الإعاقة الحركیة ومستخدمي الكراسي المتحركة، وحواسیب مخصصة للطلاب المكفوفین، ثم تعینت ھدیل رئیسة اللجنة الإرشادیة للطلاب ذوي الإعاقة، لتعریفھم بالتسھیلات المتوفرة في الجامعة. ھنا باتت ھدیل تشعر بأن الشغف في المساعدة والسعي لأخذ حقوقھا أمر لیس سھلا ولا یمكن التوقف عنھ فھي ترید الأفضل لمن بعدھا، وألا یعانوا كما عانت ھي وزملاؤھا.
وفي العام 2014 ،نفذت ”كومستیر“ وھي حملة أطلقتھا مع أشخاص من ذوي الإعاقة، لمساعدة المجتمع على تقبلھم من خلال مشاھدتھم وھم یساعدون أشخاصا لیسوا من ذوي الإعاقة في أماكن عامة، من منطلق أن العون والعطاء یمكن أن یؤخذا من الأشخاص ذوي الإعاقة، فھم أیضا قادرون. وتخرجت ھدیل من التخصص العام 2015 ،وھو الأمر الذي كان یعد إنجازا، لشخص من ذوي الإعاقة؛ إذ عملت في تدریب الحقوق للأشخاص ذوي الإعاقة، بسبب الدورات والدراسات التي التحقت بھا، ثم عملت في USAID كمساعدة في تھیئة مواد تدریبیة وأنشطة لا منھجیة للأشخاص من ذوي الإعاقة، ودمجھم في المجتمعات من المدرسة وحتى حیاتھم العملیة. والیوم تعمل مع صدیقتھا على مبادرة السیاحة المیسرة، من خلال تأھیل 10 مناطق سیاحیة من الشمال إلى الجنوب، لتسھیل زیارة الأشخاص ذوي الإعاقة إلیھا، من خلال استخدام باصات وأماكن عامة. وتختم حدیثھا بالاستذكار أنھا قدمت برنامجا من ست حلقات على قناة ”اقرأ“ وھي أول تجربة إعلامیة لھا، كسرت النمطیة في المذیعات على التلفزیون العام 2013.
 
2019/01/28