الخميس الماضي؛ كان يوما مشهودا في الجامعة الأردنية، وفيه جرت انتخابات اتحاد طلبتها، وتمخضت عن نتائج قدمتها صناديق الاقتراع، تعطي إشارات سياسية واكاديمية واجتماعية كثيرة، لسنا بصدد الحديث عنها في هذه المقالة، لكننا نتحدث عن الجامعة الأردنية، وجهودها المعروفة في تقديم الصورة المثالية عن المؤسسات الأكاديمية الوطنية، التي تقوم بحمل أمانة التنوير والبناء، فهي الباني والحامي الحقيقي للمستقبل الأردني المتحضر.
نجحت الجامعة الأردنية في إجراء انتخابات اتحاد الطلبة، واستحقت علامة نجاح جيدة جدا حسب رأيي المتواضع، وقدمت جهودا كبيرة قبل وأثناء وبعد يوم الانتخاب، ولم نكتب عن تلك الانتخابات شيئا الا بعد مضي اسبوع كامل على نهايتها، لأن انتخابات الجامعات لا تنتهي بإظهار النتائج يوم الانتخاب، بل تستمر الى ما بعد يوم الانتخاب، وفي بعض الجامعات تكون مدة الانتخابات وتداعياتها على امتداد العام كله ابتداء من يوم الانتخاب، لكن الموضوعية تطلبت أن نقيم تلك التجربة، بعد مراقبة وقع النتائج والاجراءات على الساحة الطلابية، وفي الجامعة الأردنية يكفينا اسبوع واحد لتقييم أثر ذلك اليوم ومدى نجاحه، ومدى رضا الساحة الطلابية عن نتائجه.
بعد أن تم تأجيل موعد هذه الانتخابات من قبل الجامعة، توقع مراقبون مختصون في الشؤون الجامعية أن يكون لهذا التأجيل انعكاسات على الانتخابات ذاتها، وعلى مجرياتها ونتائجها، وهو التوقع الذي لم يحدث، إذْ جرت الانتخابات بطريقة سلسة، مع ملاحظة وجود أخبار مفخمة ومضخمة في «إعلام رديء» لا يتقن شيئا غير التهويل والمبالغة، ولا يمكنه العمل بمهنية وموضوعية؛ لأنه ليس إعلاما ولا صحافة، بل مجرد ممارسات لهواة لا تستوعب عيونهم صورة كاملة، فتأتي تقييماتهم منتقاة، ومبنية على سطحية معلوماتهم بل عواطفهم وليس على مقدار مهنيتهم وخبرتهم، فانتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية، تشبه انتخابات نيابية او بلدية في مدينة؛ لأن الناخبين فيها هم طلاب، يناهز عددهم 50 الف طالب وطالبة، ويمثلون فسيفساء تعبر عن الوطن جميعه، ناهيكم عن حقيقة وجود قوى سياسية واجتماعية فاعلة فيها وفي كل الجامعات، ومن الطبيعي أن يحدث تدافع و»ازمة» لو قام هذا العدد بركوب باصات، او دخول استاد رياضي، فكيف لا تحدث مثل هذه التحشدات والأزمات في يوم انتخابي، يذهب الطلاب فيه سراعا للادلاء بصوتهم والعودة الى محاضراتهم او شؤونهم الأخرى؟.. التدافع على باب موقع يحوي صندوقا انتخابيا في جامعة هذا حجمها ليس خبرا وغير جدير بالاهتمام، فهو حدث فيزيائي اقل من طبيعي، وليس خبرا سياسيا الا في ذهنيات الصغار.
نجحت عمادة شؤون طلبة الجامعة الأردنية في تقديم درس سلوكي ديمقراطي لطلبة الأردنية، ابتدأ منذ يوم الترشح للانتخابات وتحضير جداول الناخبين، وتأثيث مواقع الدعاية والاقتراع، والتعامل بطريقة اجرائية محترمة مع كل مفاصل ومراحل هذه العملية حتى ما بعد اعلان نتائجها، ولا أريد التحدث عن الجهود المسؤولة الكبيرة التي بذلها عميدها الدكتور نايل الشرعة، لكنني اقتنعت بسلامة وتميز أدائه حين أجابني عن سؤال حول الانتخابات، فكانت اجابته عميقة فيها نظرة وطنية بعيدة، تركز على تربية وتخريج جيل ديمقراطي من الشباب، يمارس الديمقراطية في الجامعة، ويتفاعل معها كما يتفاعل مع مادته الأكاديمية او المهنية، وهذا رأي يبين سياسة الجامعة الأردنية ومدى التزامها برسالة التنوير في الوطن كله، واهتمامها بتخريج شباب يتمتعون بوعي وسلوك ديمقراطي، يحترم الآخر ويحرص على تعميم الحرية في التفكير والاختيار ليكون الناتج قيما وطنية وانسانية ديمقراطية، تقود الوطن الى مزيد من انجاز وتقدم ورفعة..
الجامعة الأردنية تحقق تقدما بل تقدم صورة مشرقة في مجال نبذ العنف الطلابي وفي مجال ترسيخ السلوك الديمقراطي، وهي إنجازات تستحق أن نذكّر بها حثًا على مزيد التفاؤل والعطاء الوطني المقدس.