يحظى نظامنا التربوي وجامعاتنا تحديداً بسمعة طيبة نسبياً على مستوى المنطقة وإقليم الشرق الأوسط- بالرغم من كل التحديات والمعيقات التي يواجهها- مما أعطى الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة جرعة ثقة كبيرة بذلك وحدا بهم بأن يبعثوا بفلذات أكبادهم للدراسة الجامعية في الأردن، نظراً لما نتمتع به في الأردن من تنافسية تعليمية عالمية وجودة تعليمية عالية وبيئة آمنة مستقرة وبنية اجتماعية طيبة ومتكافلة والحمد لله بفضل الدبلوماسية الأردنية التي يرعاها جلالة الملك المعزز بثقة واقتدار ومن بعده أجهزتنا الأمنية ومؤسساتنا ووعي المواطن الأردني.
وحسب الإحصائيات الأخيرة للطلبة الوافدين لإكمال دراستهم الجامعية فان عددهم يربو عن أربعين ألف طالب وطالبة من أكثر من خمس وثمانين جنسية وينتشرون في معظم الجامعات الأردنية من شمالها لجنوبها وبنسبة تفوق 10% من الطلبة رغم تركزهم في الجامعات ذات التخصصات العلمية منها وخصوصا الطبية والهندسية، وهذا يشكل كما هائلاً من الطلبة حيث دولهم –وخصوصا دول الخليج العربي ودول الجوار- تثق بنظامنا التعليمي وبيئتنا المستقرة، وهو أيضا مؤشر على نجاح الدبلوماسية الأردنية بخلق هذا الجو الأخوي لجذب الطلبة الذين تعول عليهم بلدانهم الكثير في مسائل التنمية وغيرها ونعول عليهم نحن الأردنيين بأن يكونوا سفراء حقيقيون لنا في بلدانهم ويعكسون الصورة المثالية عن الأردن وأهله الطيبين والكرماء. مما يضع على كاهلنا مسؤولية المحافظة على تدفق هذا العدد باطّراد لجامعاتنا ليشكل مصدر دعم مادي لتغطية نفقات الجامعات ودعم السياحة التعليمية، ومصدرا آخر لدعم اقتصادنا الوطني، ورؤية مستقبلية لتأطير تعاون نموذج بين الأردن وبلدان هؤلاء الطلبة ليكونوا سفراء مثاليين للأردن في بلدانهم لتحقيق أهداف بعيدة المدى كتعزيز الأخوة والعلاقات الحميمية بين الدول وغير ذلك.
ولقد قامت الجامعات الأردنية منذ أكثر من خمسة أعوام وبقرار من مجلس التعليم العالي بإنشاء مكاتب للطلبة الوافدين على سبيل استقبالهم ورعايتهم ومتابعة شؤونهم، ونجحت هذه المكاتب إلى حد ما في رفع مستوى الخدمة المقدمة لهم، وساهمت أيضا في تحسين الصورة النمطية للإدارة الجامعية أمامهم، ومأسست إدارة شؤونهم الذاتية من خلال أندية ولجان خاصة بكل بلد، وأنشأت آليات التواصل مع السفارات والملحقيات الخاصة ببلدان الطلبة من خلال مكاتب متابعة ورعاية شؤون الطلبة الوافدين واللجان التنسيقية الخاصة بذلك، بيد أنها للآن لم تعط موضوع اندماج هؤلاء الطلبة في البيئة المجتمعية الأردنية الكثير.
إن تدفق الآلاف من الطلبة الوافدين على الجامعات الأردنية، يتطلب منا في الجامعات والمجتمع المحلي على السواء الارتفاع إلى مستوى استيعاب وخدمة ومتابعة شؤون هذا الامتياز الذي بات أحد أبرز مداخل توثيق العلاقات الثنائية بين الأردن وأقطار العالمين العربي والإسلامي والدول الصديقة. وحرصاً على استمرار هذا الامتياز فلا بد من إشراكهم في العديد من البرامج الشبابية الثقافية والفنية والترفيهية التي من شأنها أن تعرفهم بالأردن وطناً وتاريخاً وأن تفسح الفرصة لهم كي يعرفوا زملاءهم من الطلبة الأردنيين بأقطارهم وعاداتهم وتقاليدهم. وأن يطوّر لهم برامج حوارية هادفة للاندماج مع المجتمع المحلى. ونتطلع في هذا المضمار إلى إطلاق برنامج استضافة العائلات الأردنية لكل طالب وافد، وإنشاء معارض تعكس عاداتهم وتقاليدهم، وإيجاد برامج لانخراطهم وإدماجهم في المجتمع الأردني من خلال الرحلات السياحية والأنشطة الاجتماعية والثقافية خارج أسوار الجامعة، وتشجيع السياحة الأكاديمية والشبابية، وإنشاء الأسر الطلابية التي ينخرط بها الطلبة الوافدون، وغير ذلك. ولهذا كله فإننا نرحب بالطلبة الوافدين أيّما ترحيب ونمد أيدينا لهم للتشارك والتعاون والتواصل من خلال جامعاتهم التي نثمن دورها بكل تقدير واحترام.
إن الحاجة باتت ملحة إلى إنشاء سكنات استثمارية طلابية جامعية مريحة داخل أسوار الجامعات للطلبة الذكور وأخرى للإناث –للجامعات التي ليس فيها سكنات- ليحتضن الطلبة الجامعيين الوافدين ويسهل عليهم. ومن خلال هذه السكنات يجب أن يطور برامج متنوعة تشتمل جلسات نقاشية و حوارات مفتوحة بين الطلبة أنفسهم أو مع أساتذتهم و قد يشاركهم محاورون من خارج حرم الجامعة. ليكون الحرم الجامعي كخلية نحل بالنسبة للطلبة الوافدين وغيرهم ولتكون الأردن محجا حقيقيا للسياحة التعليمية لغايات دعم الإقتصاد الوطني وخلق علاقات متميزة مع الطلبة الوافدين ودولهم.
إننا نتطلع إلى الجامعات الأردنية كافة والأمل يحدونا بأن تضع الأطر العريضة لمشاركة الطلبة الوافدين في الجهد الجمعي المترادف الصادق في جهود التنمية البشرية لاستيعابهم لينعكس ذلك إيجابا على اندماجهم في البيئة المجتمعية الأردنية ليكونوا سفراء حقيقيين للأردن بعد تخرجهم وعملهم في بلدانهم الشقيقة والصديقة، ونتطلع أن تنعكس السياحة التعليمية على إقتصادنا الوطني وخصوصاً أن الحكومة الآن بصدد إعداد أطر شاملة للنهوض بالإقتصاد الوطني وتحقيق نمو مطرد فيه كنتيجة للتوجيهات الملكية السامية وفق الرسالة الملكية في هذا الصدد!