لقد بات اجتياز امتحان التوجيهي يمثل نهاية ايجابية للمرحلة المدرسية وباباً للدخول إلى المرحلة الجامعية، من حيث المبدأ، في آن معاً، بينما يمثل الإخفاق في ذلك خروج الطالب من المرحلة المدرسية خالي الوفاض مع عدم الدخول إلى الجامعة الأمر الذي لا بد وأن يدفع إلى التساؤل عن مدى موضوعية وعدالة هذا الربط غير المحمود. إن القول بأن أحدهم «توجيهي راسب» يمثل حكماً جائراً على حصيلة الأداء والجهد المبذول من الطالب، وبغض النظر عن حجمه، خلال مرحلة زمنية تمتد على مدى اثني عشر عاماً من عمره. وليت أن الأمر يتوقف عند هذا، لكنه وللأسف يمتد أحياناً إلى تحديد مصير عدد من الطلبة إذ إن الأمر يحمل في طياته أحكاماً اجتماعية جائرة، وله انعكاسات سلبية تصل إلى الدفع بالبعض منهم نحو نهاية مأساوية، كما وقع، إذ يَعُدّ البعض التعثر في التوجيهي، خلافاً للحقيقة، «وصمة عار» تتطلب التخلص منها.
لهذا، وفضلاً عمّا قامت به مؤخراً وزارة التربية والتعليم مشكورة، فإننا نقدم تالياً مقترحاً لإعادة النظر في امتحان الثانوية العامة نعتقد جازمين أنه يحقق عدداً من الأهداف التي نبينها لاحقاً. لكن لا بد لنا من التنويه بداية إلى أن المقترح يتضمن في الأصل المطالبة بإعادة النظر في الانتقال التلقائي للطلبة من سنة إلى أخرى، وإلزام الطالب بإعادة بعض المواد التي يتعثر فيها خلال سنوات دراسته، بل وإلزامه بإعادة السنة الدراسية كاملة إذا وصل عدد المواد التي يتعثر فيها إلى حد معين يتفق عليه. وبما أنه قيل بأن هذه القضايا كانت موضع دراسة من الوزارة، مع عدم علمنا بتفاصيل ما تم التوصل إليه، فإننا لن نتناولها مع تأكيدنا على أهمية الحسم بشأنها. بناءً عليه، إذا جاء انتقال الطالب من سنة إلى أخرى عن جدارة واستحقاق إلى أن يصل إلى نهاية المرحلة المدرسية محققاً الحد الأدنى في الأقل من الأداء المطلوب للنجاح، فإننا نقترح ما يلي:
أولاً، يصبح حقاً مكتسباً لكل طالب وطالبة التخرج من المدرسة والحصول على شهادة (شهادة الثانوية العامة أو مسمى آخر) تمثل نهاية المرحلة المدرسية دون أن يلزم الطالب بالتقدم إلى أي امتحان أخر، تماماً كما يتخرج الطالب من أي جامعة ولا يمتحن بعد ذلك.
ثانياً، يقترح أن تحمل الشهادة المعنية أعلاه تقديراً لأداء الطالب، متدرجاً وفقاً لسلم متعدد الفئات يُتفق عليه، مبنياً على معدل علامات الطالب في السنوات الدراسية الثلاثة الأخيرة كي تعكس تلكم الشهادة أداء الطالب بعدالة أكبر.
ثالثاً، أن تعلن الحكومة لمن يهمه الأمر في القطاعين العام والخاص بأن الشهادة المذكورة هي البديل الرسمي لشهادة الثانوية العامة الحالية أو امتحان التوجيهي لكل الغايات، باستثناء الدخول إلى المرحلة الجامعية.
رابعاً، يحق لمن يرغب من الطلبة الحاصلين على الشهادة المذكورة انطلاقاً من تقدير معين للأداء، كحد أدنى يتفق عليه، التقدم إلى امتحان القبول الجامعي (مسمى بديل عن التوجيهي) ليشكل هذا الامتحان نقطة بداية المرحلة الجامعية، دون أن يكون لهذا الامتحان أي دور أخر. وكمرحلة أولية لا بد وأن يدار هذا الامتحان من الوزارة لخبرتها في الأمر على أن تتحول إدارة الامتحان مستقبلاً إلى الجامعات بعد دراسة الموضوع.
غني عن القول أن مثل هذا الإجراء سيعمل على فك الارتباط المشار إليه بحيث يستطيع الطالب طي صفحة المرحلة المدرسية نهائياً بشكل أفضل وعدالة أكبر مما هو عليه الأمر حالياً، ودفع الطلبة في الوقت نفسه إلى الاهتمام بشكل جاد بأدائهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة كون ذلك سيحدد كل من: التقدير النهائي للأداء الذين سيسجل في الشهادة المدرسية، وإمكانية الدخول إلى امتحان القبول الجامعي من عدمها نتيجة لشرط حصول الطالب على التقدير الأدنى في الأقل. ولعل في هذا إشارة واضحة إلى أننا لن نكون بحاجة إلى عقد امتحان تصفية (مترك) خلال سنوات الدراسة إذ إن التصفية ستحصل تلقائياً. من ناحية أخرى، نعلم أن هناك عدد كبير من الطلبة الذين يتقدمون حالياً قصراً إلى امتحان التوجيهي فقط من أجل إنهاء المرحلة المدرسية، دون الرغبة في الدخول إلى المرحلة الجامعية. ووفقاً لما هو مقترح فإن هؤلاء الطلبة سيكتفون بالحصول على شهادة الثانوية العامة المشار إليها، الأمر الذي يمكنهم من التوجه إلى حيث يرغبون. وهكذا لن يكون لدينا ذلك العدد الكبير من المدارس التي لم ينجح من طلبتها أحد كما حصل في امتحان الدورة الصيفية لهذا العام، ولن يتراكم عدد كبير من الطلبة إلى الدورة التالية.
ونتيجة لكل ما ذكر فإن كل طالبة وطالب يصل إلى نهاية المرحلة المدرسية محققاً الحد الأدنى للنجاح في الأقل لن يخرج من المدرسة خالي الوفاض خاصة وأنه سيكون امام جميع الطلبة فرصاً عديدة خلال سنوات الدراسة لإعادة النظر في أدائهم وتصويب أوضاعهم ووضعهم وجهاً لوجه مع مسؤولياتهم وعليهم وعلى أولياء أمورهم تحمل النتائج.
فضلاً عن ذلك، سترتفع سوية مدخلات التعليم العالي لتصبح أفضل مما هي عليه حالياً، إذ إن الطلبة الداخلين إلى الجامعة سيتعرضون إلى تصفيتين: الأُولى نتيجة للحد الأدنى المقبول للتقدم لامتحان القبول الجامعي، والثانية من خلال امتحان القبول ذاته، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض عدد المتقدمين إلى هذا الامتحان ومن ثمّ خفض تكاليف الامتحان والترتيبات المصاحبة أيضاً. وفي كل ما ذكر خدمة للطلبة إذ سيتقدم لامتحان القبول الجامعي فقط من لدية الرغبة والتوجه نحو التعليم العالي بينما يذهب البعض الأخر إلى العمل أو التعليم التقني. ونعتقد جازمين إلى أن كل ما ذكر سيصب على المدى الطويل في صالح الطلبة والتعليم العالي والاقتصاد الوطني.