في دولة الإمارات العربية المتحدة، الكفاءات الأردنية في كل مكان، في التعليم وجوائز التميز، وفي المكاتب التفيذية لحكومة دبي، وفي الإعلام وفي الجهات القانونية، هذا عدا عن آلاف المهندسين والفنيين والعمال والقادة في التعليم الجامعي والمدرسي، فثمة نسبة كبيرة من الأردنيين في الجامعات الإماراتية، وفي الذاكرة، ذاكرة الكبار يتحدثون عن الجيش الاردني وتدريبه لأهل الإمارات، هذا ما سمعته على الأقل من الشيخ محمد بن سلطان آل هويدن الكتبي في دارته في منطقة «الذيد» حيث كان مأخذوا بقسوة وصرامة القائد الأردني الذي دربه في الجيش أوائل السبعينيات.
قصة الأردنيين مع الإمارات طويلة، وهم يتفوقون في الخارج، ويمنحون بلدهم شرف الانجاز وقوة الحضور والمنافسة مع أقرانهم العرب، واليوم في معرض الشارقة للكتاب لم يكن غريبا أن يحدثني ناشر لبناني محترم بقولة باللهجة اللبنانية «يا خي ما شاالله الناشرون الأردنيون (طاحشين) في الكتاب الأكاديمي». بمعنى أنهم يسيطرون بقوة على قطاع النشر الأكاديمي في العالم العربي، وهذا صحيح بحسب تقارير مؤسسة الفكر العربي عن حال الثقافة والفكر.
القصة التي تقال عن الأردن في الخارج مختلفة عما يجري في الداخل، لا حديث عن أبراج بوابة عمان ومستقبلها، ولا عن مشاريع الأمانة التي نقاومها بلا معنى احيانا، ولا كلام عن البرج المائل في مشروع العبدلي حيث اخترع الناس قصة مفادها أن فيه خطأ قي التصميم، مع أن ذلك عارٍ عن الصحة، ولا كلام عن العقبة الاقتصادية او حتى الباص السريع، بل قصة الأردنيين في الخارج مختلفة، إنهم يفرضون وجودهم في التحدي من اجل المنافسة والبقاء، وهم فخورون في الدول التي يعملون بها، وتسمع مشاعر من الحب للإمارات بسبب ما تمنحهم إياه ربما اكثر مما تسمع منهم عن الأردن.
يعلق مهندس أردني على أن الملك عبد الله الثاني كان في بداية تسلمة الحكم طموحا بتغيير شبيه بما يحدث في دبي، التي لا تملك النفط وإنما اقتصاد الخدمات، لكن قوى الشد العكسي قوضت كل شيء برأيه في تغيير الأردن، طبعاً الكلام فيه شيء من الصحة، لكن المسألة ليست في مقاومة التغيير وحسب، فهناك تحديات كبيرة واجهها الأردن ويواجهها اليوم وعلى رأسها الحروب والهجرات والفساد وانعدام الاستقرار وغير ذلك.
في الخليج العربي كله، تسمع الثناء على الموظف والمهندس والصحفي والطبيب الأردني، ولا تسمع شيئاً عن عيوبه مقابل عيوب الآخرين التي يشكو منها أهل الخليج، وكثيرون يرون قيادة الاردن متميزة وانقذت البلد في أقليم مضطرب من شبح الفوضى الذي بات واقعا في دول عدة.
لكن هذا الإعجاب العام بالأردن، يستند إلى ركيزة مهمة إلى جانب ركائز أخرى، وهي سعي الأردنيين للتعليم ودأبهم من اجله، وشغفهم به، وهذا ما يحتاج اليوم منّا مراجعة كبيرة وتحصين وحماية له من تسليعه وتحويلة لتجارة، وهو الشيء الأكثر قوة ربما في صناعة التغيير، فليس هو الصخر الزيتي الذي طال انتظاره ولا منطقة العقبة الخاصة وحلم نثر الرمال بها لتصبح ذهبا، ولا هو المناطق التنموية في المحافظات وانجازها البطيء، بل هو التعليم أولاً واخيراً، هو الكفيل بتغيير وجهة البيوت وتفكير أهلها، هو الكفيل بانتشال آلاف الأسر إن تعلم فيها متعلم جيد ومتفوق وسعى للاغتراب لدول الخليج وبدأ يساعد اسرته،ويسهم في تغييرها، هو التعليم، الحلم والملاذ، وهو من صنع الجميع ولذا يستحق المراجعة والتدبر والانقاذ مما علق به من شوائب برغم أنه ما زال ينافس في المنطقة.