ترتيب الجامعات الأردنية المتواضع على تصنيف U.S. News للجامعات العربية، يضعنا في آفاق الوعي الأكاديمي بإدراك مهمات أعضاء هيئات التدريس، وأن أستاذ الجامعة الواعي لمسؤولياته، ينتظر دائماً أن يكون «البحث العلمي الرصين» وما ينتج عنه من مقالات علمية أو براءات اختراع، وسيلة التقويم والتقدير، ومقياس التفاضل بين الأساتذة في مستوياتهم ومصداقية عملهم وأدائهم، وبنفس الوقت المعيار «الموضوعي» لترقياتهم العلمية والقيادية، عندها لا عذر لأي عضو هيئة تدريس، سواء أكان بدرجة مدرس أم أستاذ دكتور في مواصلة البحث العلمي طالما الجامعة وفرت الدعم المالي، وسهلت المهمات في الحصول على المواد والمستلزمات الضرورية لإجرائه، ولعل تقدير الدور الحقيقي للبحث العلمي في نهضة الأمة وتقدمها هو ما جعل رئيس رابطة الجامعات الأمريكية د «روبرت بردال» يقول في عام 2009 أن «ريادة الأمم في عصر التكنولوجيا وتدفق المعلومات ستأتي عبر الجامعات البحثية Preeminence in the 21st century will be won on the campuses of the world’s research universities».
أمام جامعاتنا التي تتطلع نحو العالمية تحديات كبيرة في دعم ومتابعة المشاريع البحثية على اختلاف أنواعها، والتي يجب أن تضع الرؤساء قبل العمداء أمام مسؤولياتهم في «إدارة» هذا الملف ومتطلباته، فليس تنقصنا الكفاءات وإنما «توظيفها» في مجالها الصحيح، ولا القيادات وإنما حسن اختيارها، أي أن تطوير الإدارة، والاهتمام بالبحوث العلمية ومخرجاتها لا بد أن يعلو على الأنظمة والتعليمات المقيدة والعائقة إذا كان الهدف الوصول إلى «العالمية»، هناك شكاوى مريرة، وعتب كبير على عمادات البحث العلمي وادارة الجامعات التي ما تزال تمارس أدوارا «شكلية» لدرجة أن الباحث لم يعد يعطي الاهتمام للتصريحات والوعود، مما يستدعي جرأة في تجاوز «البيروقراطية» التي تحول دون تنفيذ البحوث العلمية في وقتها المحدد.
وكما تأسست الإدارة الجامعية لدينا من أنماط تقليدية، تجاوزها الزمن بالثورة الرقمية والتكنولوجية فلم يعد للأوراق و»أنشنتها» وانتقال القرارات حسب الأصول، القيمة أمام الإدارة الحديثة التي تعتمد على «البريد الالكتروني» باستعمال تقنيات العصر من الانترنت وشبكات التواصل، المتوفرة والمتاحة للجميع، لكن ما يزال البعض يصر على إتباع الأساليب والوسائل القديمة التي اعتاد عليها التي غالبا ما تقدم الشكل على المضمون وتسهم في ترسيخ البيروقراطية والترهل وهذه أيضا بحاجة إلى تحديث وتطوير يتماشى مع تطلعات التحول نحو العالمية.
طريق الجامعات نحو العالمية يمر بمحطات مهمة لا تقبل الاختصار أو الحلول المؤقتة، أهمها دعم جهود البحث العلمي ومعالجة المشاكل التي يعاني منها بدءاً بتوفير الدعم المالي، والتقدير المعنوي، وتطوير الأنظمة والتعليمات، ثم التخلص من عقلية «المشيخه الأكاديمية» بشقيها الإداري والأكاديمي، واعتماد مبادئ الإدارة الحديثة التي تقوم على تنظيم العمل وتوزيع المهام، وتكامل الأدوار والتخصصات التي يتوقع من جميع الأفراد أداؤها بكفاءة وإخلاص.
لا نشكك بصدق النوايا لمن هم وراء دفة القيادة الأكاديمية خاصة أولئك الذين يعملون بصمت وصدق وإخلاص بعيدا عن البهرجة الإعلامية، ولا يطمعون في تحقيق «المكاسب الشخصية» وإنما في توفير النماذج التي تحتذى في الفكر والتحليل واتخاذ القرار،لأن ذلك من حق الطلبة والمجتمع علينا، والمواقع القيادية «تكبر»بعمل أشخاصها المبدعين، و»تصغر» بسوء أدائهم، ندعو الله أن تكون الأمانة قد حملها من يستحقها، ونرجو الله أن تأتي النتائج بمستوى الطموحات..
نقلاً عن صحيفة "الرأي": بتاريخ 19/1/2015