تستعد الجامعة الأردنية ( الجامعة الأمّ ) كما نحبّ أن نسميها ، لتخريج الفوج الذهبي هذا العام ، وهذا يعني أن نصف قرن من عمر الزمن مضى في صناعة الأجيال الأكاديمية التي تحمل وسم الجامعة الأردنية ، ومع هذا الفوج الذهبي أطلقت الجامعة فعاليات أولّ ملتقى لخريجيها الذين كادوا أن يصلوا إلى 200 ألف خريج في مختلف التخصصات ، وهي مبادرة طيبةّ تستدعي إيقاظ الرابطة الحميمة بين الجامعة وخريجيها ، وأظنها المبادرة التي ستسير على هديها كلّ الجامعات .
في خطوة دالةّ على الحاجة لاستعادة ألق الرابطة الروحية التي تجمعنا كلنا نحن الأبناء بهذا الصرح الشامخ بشموخ الوطن ، وكنا نراقب هذه الخطوة التي سربتها اللجنة التحضيرية للصحافة منذ شباط الماضي ، وانتظرنا ردود فعل الأفواج التي توزعت في رحاب العالم كلهّ ، صحيح أن الفكرة تأخرت جدا ، لكنها البداية التي تحمل دلالات كبيرة على التوجه الجديد لرابطة لا تنتهي بحفل التخرجّ ، بل يجب أن تبدأ فيه ، وللحق ، فقد بذلت اللجنة التحضيرية جهودا جادة ، وكان جهد رئيسها الأستاذ الدكتور عزمي محافظة ملحوظا طوال مدة الاحتفاء العام ، الذي كان لي شخصيا شرف المشاركة بإدارة الجلسة الأولى فيه ، وكان حسن التنظيم والمتابعة من الأمور التي لفتت انتباهنا كلنا ، فالعلاقات العامة بكوادرها حاضرة وفعالة ، ورئيس الجامعة ورئيس مجلس الأمناء والأعضاء حضروا الجلسات ، وكرمّ الرئيس كلّ من شارك في الجلسات بدروع الجامعة التي نعتزّ فيها ، لأنها من جامعتنا التي شهدت على حيازتنا للعلم ومنحتنا درجات علمية نفخر فيها .
فتح المشاركون من الخريجين خزائن الذاكرة ، كانت الذاكرة حميمة والكلمات دافئة ، وقد اختارت اللجنة التحضيرية للجلسة الأولى محورا جميلا عنوانه ( الجامعة في عيون خريجيها ) عدنا إلى زمن البدايات التي كناّ فيه نعرف بعضنا بالاسم ، وكان المكان أشبه بجنةّ في الربيع ، تتفتح فيه شقائق النعمان ومعرشات الياسمين ، وكانت أشجار الجامعة تعرفنا تماما كما نعرفها .. أما عندما يسقط ثلج الجبيهة على طرقات الجامعة ، فكانت فرصة للتراشق بكرات الثلج والخروج من عباءة الجد، استعدنا الزمن والناس الذين كانوا وتوحدتّ ذاكرتنا ، واكتشفنا كم أضعنا من زمن لم نلتقي فيه ، هذه المشاعر التي جمعت الخريجين كشفت الفجوة الكبيرة بين زمن البدايات وهذا الزمن التقني الجديد ، اكتشفنا كم تطورتّ الجامعة ، وشعرنا بالحيرة في التقييم ، هل كانت هذه البدايات هي الأمثل أم أننا الآن في زمن جديد يشبه كلّ العالم الذي تغيرّ كثيرا وكثيرا جدا ..!
الجامعة الأردنية بنت الدولة الأردنية بخريجيها ، في المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، منهم من تبوأ مناصب متقدمة وصاروا رؤساء للديوان الملكي العامر، ووزراء وسفراء ومدراء بنوك وعمداء كليات وأطباء عرفتهم الأوساط العالمية ، والمئات من مهندسيها بنو بخبراتهم مؤسسات ومنشآت خليجية ودولية ، وصار البعض من خريجي القانون في عالم الاستشارات العالمية ، ووصل العديد من أبناء الجامعة إلى أنحاء الوطن العربي للتدريس في الأرياف والمدن ، علموا وتركوا وسم الجامعة الأردنية الطيبّ يحمل رائحة الوطن الغالي .. هؤلاء هم رفاقنا الذين نعتزّ بجهودهم ، والذين وصل بعضهم درجة راقية من الإبداع الذي بدأ بالجامعة الأردنية وانتشر في العالم .. هذا اليوم الذي أيقظت فيه الجامعة ذاكرتنا وجمعتنا فيه ، هو البداية التي تقول بأن الجامعة لا تنسانا وهي أيضا في عروقنا وخلايا أدمغتنا مزروعة فينا ، نرفع الرأس فخرا بك يا جامعتنا الأم ونتطلع إلى نقلة جذرية تقودين فيها موكب التعليم العالي الذي بدأ ذات يوم جميل من عام 1962 م ، وأعيد ما قلته في ختام كلمتي باستذكار الراحل العظيم الحسين بن طلال الملك الذي أشعل قنديل التعليم العالي في الجامعة الأم ، سلام على روحه كلما طلعت شمس على جامعتنا الجميلة ، وكلما أزهرت جموع شقائق النعمان في ربيع الجامعة الندي..! وعلى الوطن كلهّ الأمن والأمان.