أقدمت الجامعة الأردنية عبر خطوة مقدّرة إلى نشر نتائج دراسة مسحيّة أعدها مركز الدراسات الاستراتيجية حول موقف طلاب الجامعة من بعض القيم والاتجاهات الفكرية، وفيما يخص مجموعة من المحاور المتعلقة بالعملية التدريسية، وفيما يتعلق بموقف الطلبة إزاء الأفكار الشائعة، والقضايا المهمة على المستوى المحلي والإقليمي.
هذه الدراسة ينبغي أن تكون محلاً للنظر والتحليل من جهات محلية عديدة في مقدمتها إدارة الجامعة نفسها والجهات المسؤولة فيها عن مراقبة مستوى العملية التعليمية وأداء المدرسين ومعايير الجودة، وتلك الجهات المتخصصة بوضع مواصفات «الخريج» المطلوب على جميع الأصعدة وفي كل التخصصات المعتمدة في الجامعة، بالإضافة إلى الحكومة ووزارة التعليم العالي التي تعنى بصياغة الجيل القادم الذي يتم إعداده لاستلام الدولة بكل مؤسساتها الرسمية والخاصة.
أظهرت الدراسة بعض جوانب الخلل التي تستحق القدر الأكبر من العناية، وربما تكون الملاحظة الأولى على هذا الصعيد التي تلفت انتباه إدارة الجامعة؛ فيما يتعلق برضا الطلاب عن العملية التعليمية التي حازت على (51%) فقط، وأظن أنها نسبة منخفضة، ولذلك تقتضي الضرورة المسارعة إلى بذل الجهد من أجل رفع هذه النسبة إلى مستويات لائقة، لأن الرضا الطلابي عن مستوى الأداء التعليمي يشكل دائرة الإبداع والابتكار، والتطوير والتحسين، وتعود أهمية هذا الجانب إلى أن مسؤولية الجامعة الأولى تتمثل بإدارة العملية التعليمية وفقاً لأفضل الطرق والأساليب القادرة على تحقيق هذه الغاية، وتحقيق الرضا الطلابي العام.
الملاحظة الثانية تتعلق بالنسبة المتدنية، حول شعور الطلبة بعدالة الأساتذة والتزامهم بمبدأ المساواة بين الطلاب، وأحسب أن هذه المسألة لا تقل عن الأولى من حيث الأهمية، لأن شعور الطالب بظلم الأستاذ وعدم التزامه بالعدالة والمساواة بين الطلاب ؛يؤثر تأثيراً عميقاً في نفسية الطالب ويؤدي إلى إلحاق جرح غائر لا يندمل، وما زلت حتى هذه اللحظة أتذكر تصرفات بعض الأساتذة المستفزة وهم يمارسون الانحياز المكشوف والتملق المفضوح تجاه أبناء بعض أصحاب النفوذ، وبعض الذوات والشخصيات المعروفة عن طريق الاغداق بالعلامات، وما زلت أذكر كذلك موقف بعض الأساتذة المقدر بتحري الدقة والعدالة في عملية تقويم الطلبة بمنتهى النزاهة.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالاتجاهات الفكرية والانتماءات السياسية، حيث أن أغلبية الطلاب بنسبة الثلثين، لا ينتمون لأي اتجاه فكري محدد، وربما تنحدر نسبة الذين يتبعون اتجاهاً سياسياً معيناً، وتقول الدراسة أن 7% فقط عبروا عن انحيازهم للاتجاه الوطني، وهي أقل من نسبة الانتماء إلى اتجاهات سياسية أكثر عمومية، مما يشير إلى أن الأغلبية الساحقة من الطلاب بعيدة عن الاهتمامات بالشأن العام على الجملة، وهذا المظهر يحمل بعض المؤشرات الخطيرة، مع ضرورة الفصل الواضح بين الانتماءات الفكرية، من جهة وبين الانتماءات السياسية والحزبية، حيث أنني لم أطلع على صياغة الأسئلة المتعلقة بقياس هذه الجانب على نحو نموذج دقيق.
هناك جوانب أخرى يستحسن الاطلاع عليها، ولكن ينبغي الإشارة إلى ضرورة اعتماد هذا النوع من الدراسات المسحية وتطويرها من أجل المساعدة في إجراء عمليات التقويم والتطوير والتحسين في العملية التعليمية أولاً وفي تحسين مستوى الخريجين بوجه عام .
نقلا عن صحيفة الدستور بتاريخ 8/2/2016