إصلاح التعليم العالي ليس فقط في البيئة الجامعية، أو باضافة مباني جديدة،أو بقانون تعليم عالي جديد، أو بآلية تعيين رؤساء جديدة أو بمنح الجامعة الاستقلالية، كل ذلك مهم، وكان الرؤساء يعينون بإرادة ملكية سابقا وبظروف معينة كان هناك استثناءات وكانت ايجابية جداً، فدولة عبد السلام المجالي لم يأت من الرحم الاكاديمي، ومع ذلك أنجز الكثير الكثير. والأهم بنظري هو أن يكون رؤساء الجامعات قادة ويتحروا الصدق في كلامهم ويعيشوا مع طلبتهم وظروفهم بعيدا عن مؤثرات أو حسابات، وعلى أي رئيس الدخول بالتفاصيل ليقف على صحة الأمور، فقد روى د. عبد السلام المجالي حفظه الله أنه طيلة دوامه بالجامعة الأردنية كان يأكل في مطعم الطلبة، ليس رغبة بالتواضع والعيش مع ظروف الطلبة، بل ليـتأكد أيضا بأن الطعام يقدم بما يليق بالطلبة.
حياة الجامعة الأردنية مليئة بالكثير من التاريخ والسرد، وفيها غبار مرّ عليه سنين، وتراكم مؤخراً، ولا سبيل إلا بنفظه، وإزالته وتحرير الجامعة لصالح العقل، وليس للبنية التعبوية البطريريكة المشهدية التاريخية التي جعلت الجامعة تؤلف مؤلفات عقيمهبصيغة مقررات عامه.
المهم أن الجامعة اقتعنت أخيراً بالعودة لرسالتها التنويرية، وأن التربية الوطنية ليست حديثاً عن تنظيم الأسرة استراتيجيات الوزارات، وليست مادة معيشة يدرس بها من يعطف عليهم الرئيس ومن يضغطوا على الجامعة لظروفهم الخاصة. بل حولت التعديلات الجديدة التربية الوطنية إلى ثقافة مدنية تعلم الطالب الكثير من المهارات.وكما أنها ليست مكانا للنقل فقط، بل يجب حضور العقل فيها، فقد كان عليها معالجة غياب الفلسفة من مقرراتها العامة منذ حاول الإخوان المسلمون اغلاق قسم الفلسفة قبل عام 1970 وظل غياب المقرر العام حتى الآن،فمنع تدريس الفلسفة كمتطلب، وما حدث مؤخراً يعد انقلابباً معرفياً يشكر عليه رئيس الجامعة الأردنية ومجلس عمدائها بإقرار مادة مدخل إلى الفلسفة كمتطلب عام.
المقررات العامة هي مسؤولية مجلس العمداء أو لجنة يشكلها لذلك، لكن يجب مراجعة مواد الخطط في الأقسام أيضا، وقد قررت الجامعة الأردنية ممثلة بمجلس العمداء مؤخراً حزمة متطلبات الجامعة المعدّلة، والبدء بتطبيق نظام التعلم المدمج في التدريس يقوم على المزج بين اللقاءات الصفيّة التشاركية والتعلم الإلكتروني التفاعلي.وقد علق رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة بالقول: إن التعديلات على متطلبات الجامعة واعتماد أساليب التعلم الجديدة تمكّن الجامعة من الانتقال من ثقافة التعليم بأساليبه وطرائقه التقليدية، إلى ثقافة التّعلم بمكوناتها وأدواتها العصرية، بعد دراسات مكثفة عكفت عليها لجان مختصة.»
محافظة نفى صيغة الإنقلاب المعرفي لكنها مطلوبة إن لم تكن كذلك كثورة على ما لم يعد صالحاً اليوم ونجح فيما مضى، وقال:» إننا نسعى إلى تعليم مختلف عن ذاك الذي ساد لسنوات وأدى غرضه في حينه، لكنه لم يعد ملائماً للعصر».
أخيراً ما حدث في الجامعة الأردنية اصلاح مهم بعيد عن الإعلام، وهو مطلوب وملح كي تنطلق الجامعة وتتجدد بشكل افضل.
نقلا عن صحيفة الدستور بتاريخ 27/12/2016