لا تتوقف عجلة التقدم والتطوير والتغيير في منظومة التعليم العالي ومن يتابع ويقرأ ويتأمل المشهد يعرف ان وزارة التعليم العالي والجامعات الاردنية تعمل ليل نهار لإنجاز مواقع متقدمة على خريطة التعليم العالي عربيا ودوليا وهذا لم يتأت بين يوم وليلة؛ وإنما جهود متواصلة ومتراكمة قام بها الجميع؛ بخاصة من عملوا في صناعة القرار ممن سجلوا بحروف من ذهب دورهم الاكيد في رفع سوية التعليم العالي على مدار عمر الجامعات ولاحقا الوزارة، ومن يقرأ منظومة القوانين والمآلات المالية والحراك العلمي والبحثي ويمعن النظر في التفاصيل يعجز عن الفهم ويعرف ان معجزة الإرادة والتصميم وراء ذلك بخاصة ان المعاناة المالية تضرب بشدة في مفاصل البنية التحتية والاكاديمية والبحثية والقدرة على مواكبة اخر المستجدات ومع ذلك احتل التعليم العالي في الاردن المرتبة الثانية عربيا والمرتبة 34 في العالم من بين 131 دولة، حيث تخطى المعدل العالم. وخلصت نتائج التقرير، الذي اطلقه برنامج الأمم المتحدة الانمائي بالشراكة مع مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم للمعرفة، الى ان اداء الاردن كان جيدا على مستوى الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بعد ان تخطى المعدل العالمي بهذا المجال واحتل المرتبة الخامسة عربيا في كلا القطاعين، ويشتمل مؤشر المعرفة العالمي، الذي يُعدّ الوحيد الذي يقيس المعرفة على مستوى العالم، على سبعة مؤشرات رئيسة تغطي قطاعات التعليم قبل الجامعي والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم العالي والبحث والتطوير والابتكار والاقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، اضافة الى البيئات التمكينية الحاضنة لتلك القطاعات. سقتُ هذه المقدمة للحديث عن المنجزات والتحديات والأسئلة الراكدة في هذا القطاع المنتج والفاعل والاساسي في تنمية الموارد البشرية على اختلاف تخصصاتها ودورها في قيادة عجلة الحياة ولا ابالغ اذا قلت إن بعض الجامعات الاردنية تحتاج تغييرا حقيقياً في المنهجية والتفكير والرؤية، والجامعات مسؤولة عن توازن الجسم الاكاديمي، وحين يتسنم المكان من يستحقه تعيش الجامعات اجواء مريحة، وواقع العملية الاكاديمية في بلدنا تفرض على الجميع المشاركة والتعاون والثقة كل من موقعه والحفاظ على مستوى متقدم ومتطور ومنافس يحتاج رؤية جادة وحقيقية تضع كل شيء في نصابه الصحيح، بعيدا عن لغة المحاصصة والنظرات الضيقة والأفكار المريضة والآراء المتشنجة والبحث عن المغانم الغريبة، أنه واقع يحتاج الى تفعيل أدوات الحوار وتأمين البيئة الاكاديمية المريحة للأكاديمي لكي يبقى في أجوائـــه الاكاديمية والعلميــة، ودور الجميع تسهيل العملية الاكاديمية برمتها، ومؤسف أن يشعر الاكاديمي انه على الهامش في حين يرى كل شيء حوله يتغير. ان التغيير المنشود هو تغيير في بنية التفكير في كيفية الانتقال من اجواء عدم الثقة الى بناء الثقة، الى انتهاج سياسة جديدة تعطي زخماً جديدا للعملية التعليمية برمتها تأخذ في الحسبان أطراف العملية التعليمية الطلبة والاساتذة والمتطلبات الاكاديمية والبحثية والمالية بحيث تنطلق الرسالة من جديد الى سياسات واستراتيجيات واقعية تتناسب مع واقع الجامعات وأوضاعها وظروفها الاكاديمية والمالية. ومطلوب من صُناع القرار دعم الجامعات لأنها الاقدر على التجديد والاولى بالاحترام والتقدير، وهي القادرة على احداث التغيير وبعد، ها هو القانون الجديد على الأبواب وها هي الجامعات تنتظر من يأخذ بيدها لأحداث التغيير وتفعيل حضورها وصورها، ونحن ندرك تماماً واقعها الذي تعيشه الجامعات يوما بيوم وحجم الضغوط اليومية وما يقارفه بعض النواب من صخب ورغبة في تجاوز القوانين والأنظمة، ولكن هذا لا ينبغي ان يحول بوصلة الجامعات عن أهدافها والحق ان الوسط الأكاديمي امام سؤال جوهري ومفصلي: كيف نبني ونستمر وننافس ونحافظ على هذه المرتبة المتقدمة اذا لم نجد من يدعم الجامعات بالمال لأحداث نقلة نوعية بادوات عصرية ؟ ويبقى الامل بالاساتذة والطلبة وكل من موقعه لبناء واقع تعليمي يستحقه الاردن على المستويات كافة.
نقلا عن صحيفة الرأي بتاريخ 6/5/2018