لعل الأسرة الأردنية تحتل المرتبة الأولى في سياق إتاحة الفرصة لكل فرد فيها لتعليم عالٍ على مستوى الدرجة الجامعية الأولى. ويعود ذلك إلى ثقافة مجتمعية تؤدي إلى قناعة تامة بالأهمية المفصلية للمؤهل الجامعي في ثلاثة جوانب رئيسة من المتطلبات الحياتية المستقبلية. ويتمثل الجانب الأول في فرصة بناء الشخصية وتنمية المهارات الإجتماعية والفكرية والثقافية التي تنطوي عليها بيئة الحياة الجامعية السليمة. أما الجانب الثاني فإنه يكمن في الدراسة الجامعية نفسها التي تحقق تنمية المعارف التخصصية وما يرافقها من مهارات واتجاهات إيجابية، وبالتالي تعزيز فرص الإنخراط في سوق العمل المنتج سواء من حيث التوظيف في القطاع العام أو القطاع الخاص أو العمل الحرّ. ويتجسد الجانب الثالث في تحقيق مكانة مرموقة جاذبة للمواقع الإجتماعية المتقدمة، ولعل الأسرة الأردنية تنفرد من خلال هذا الجانب بالإهتمام، حصراً، في أحد عناصره، عندما يأتي سؤال أهل الفتاة المخطوبة عمّا إذا كان الخاطب يحمل مؤهلاً جامعياً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة عالية من الطلبة لا يلتحقون بالتخصصات المرغوبة لديهم أو لدى ذويهم، بل ينتهي بهم المطاف إلى الإلتحاق بالتخصصات التي يتيحها مستوى معدلاتهم في الدراسة الثانوية. كما أن الإلتحاق بالدراسة الجامعية حسب رغبة الطلبة ذوي المعدلات العالية لم يعد قائماً، في أغلب الأحيان، على حاجات سوق العمل.
في إطار هذا الواقع، وإلى حين إحداث التغيير المتوازن في الثقافة المجتمعية الموصوفة في أعلاه، يتزايد بإضطراد عدد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل،
إنتظاراً لحلول دورهم في التعيين لدى ديوان الخدمة المدنية أو حصولهم على فرصة عمل لدى إحدى مؤسسات القطاع الخاص. وفي المقابل، نجد أن فرص عمل عديدة في المجال التقني والمهني يشغلها وافدون من الأشقاء العرب ومن غيرهم، علماً بأن عدداً ليس قليلاً منهم مؤهل جامعياً، إلا أنه حصل على التدريب المطلوب أثناء ممارسة المهنة لأول مرة في الأردن.
وخلاصة القول، فإن مصلحة كل من الفرد والمجتمع الأردني، في الظروف الإقتصادية الخاصة التي يمر بها وطننا الحبيب، تتطلب من كل خريج جامعي، وقد حقق التطلعات الشخصية والمجتمعية السائدة للتعليم الجامعي دون تحقيق فرصة العمل، أن يلتحق ببرنامج أو أكثر للتدريب والتأهيل التقني والمهني الذي يختاره مما تقدمه الجامعات أو المؤسسات المتخصصة، وبالتالي الحصول على فرصة العمل المتاحة في هذا المجال، وذلك إلى حين حصوله على فرصة عمل أخرى في مجال تخصصه الجامعي، أو لعله يختار التوسع، بصورة مستقلة، في العمل التقني والمهني الحرّ، ممارسة و/أو إدارة، تحقيقاً بذلك للمردود الإقتصادي الأفضل والحياة المعيشية المريحة.