وقع الخُطى بين البوابة والبرج حلم حطّ رحاله في فؤاد كل من مروا بذلك المكان... متعقبين آثار من عبروا إلى العلياء، واستقاموا في سجل التاريخ وجغرافية الكون... بين القوسين حقيقة من الزمن، فصل من كتاب البداية والنهاية لابن كثير... تلك المسافة رحلةُ حياة تأخذك أطيافها في محيط واسع من العلم والمعرفة والفكر والأدب، تستوقفك أرواحهم وأصواتهم وضحكاتهم وتأوهاتهم ونمنماتهم عبر طيات الأوراق المكدسة، وأثير الفضاء الرحب، وحفيف أشجار السرو واللزاب... وفي زوايا المكتبة والرئاسة تحلق كطائرٍ مسافر عبر الآفاق، كرحالٍ قوي العناد يتلمس أعقاب الكتب والمعاجم والمراجع والمؤلفات والمخطوطات...
هنا... تسمع صدى آثارهم، تتنشق عبق ذكرياتهم، تتلصص سمع حواراتهم، تشارك في مناقشاتهم ومناظراتهم، تمخرُ في عباب أدبهم وفلسفاتهم، تدنو من اختلافاتهم وتناقضاتهم، تتعاطف مع دموعم وعبراتهم...
هنا... تستنطقك الوقفات واللحظات والهمسات والخلجات، تتعسس بين الأغصان تجاذب الموجات والتقاربات والتآلفات...
هنا... يأخذك العمرُ في مخملية الإلهام والعشق والسحر فتشنف آذانك برنين الساعة لتعلن لك انسياب العديد من الشعراء والمبدعين والفنانين والقياديين والعلماء، فتملأ لحن الوطن أهزوجة من الجمال والرفعه، ووسام من الألق والفخر، وراية خفاقة من الفكر والنور... لترى بجلاء ظل أولئك الذين سمعت عنهم، وكبرت فيهم، وقرأت لهم، وترنمت بذكرهم...
هنا... في هذه البقعة تغشاك السكينة، تغمرك الفرحة، تنتابك النشوة، تعتصرك العبرة، تشحنك القدرة، تسمو بك البصيرة، تستوطنك الهالة بشموخ المهابة... احتراماً وتقديراً ووقاراً.
هنا... امتزج التاريخ مع الحاضر، نبت الأمل مع العمل، استوطن الفؤاد مع العناد، تضمدت الجوارح مع الأجساد، لمع النجم مع المجد، رفرف الحنين، غنى الأثير، تجمع الرفاق، عبر الأنقياء، تناجى الأوفياء، ورحل الخلطاء...
هنا... وعند المهد تداخلت الأرواح وامتزجت القلوب، وتمخض الرحم بولادة الأبناء تلو الأبناء...
وما زالت الأم فتية خصبة... تحملُ وتنجب وتلد وتنتج... لتكون بحق سيدة الأمهات وأم الجامعات...
إنها الأردنية.... أمنا.
تحية فخر محملة بالحب... لجامعتي الأردنية.