إذا لفت انتباهك العنوان أتمنى أن تُتِم القراءة حتى النهاية فالأمر أخطر مما نظن، وهذا التنويه لأنني أعلم بأننا نعاني جميعاً من متلازمة سرعة التصفح التي أصابتنا جميعاً بلا استثناء، وأصبحت الصورة أكثر جاذبية من الكلمة التي لم يعد لها حضورها وألقها كما كانت، وهذا جزء مما أود أن ألفت الانتباه إليه.
قادنا نمط الحياة الجديد إلى استخدام الهواتف والأجهزة المحمولة بشكل طاغ إلى حد الهوس والإدمان وزاد من شرعية هذا الاستخدام القوانين التي فرضت التعلم عن بعد في ظل جائحة استثنائية لم تمهلنا التعامل معها فقبلنا لأبنائنا أن يستخدموا هذه الأجهزة بذريعة التعلم.
وحقيقة الأمر بأن هذه الذريعة التي يتذرعون بها جعلتنا نتغاضى عن الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة وحرمتنا من المتابعة اللصيقة لما يشاهدونه ولما يتابعونه، وأصبح الأمر خارج حدود السيطرة الفعلية.
قبل فترة وجيزة لاحظت بأن أبنائي (وهم عينة مجتمعية يمكن الاعتداد بها) يتداولون خلال انغماسهم في ألعابهم الالكترونية كلمات تحث على العنف والقتل، تجاوزت وقتها عن ذلك حتى سمعت عبارة (أكلت الخنزير)؟؟ فشعرت أن على الاطلاع على اللعبة، فتبين لي بأنه للوصول الى مراحل متقدمة والحصول على نقاط إضافية لا بد من أكل لحوم مجموعة من الخنازير، وللقفز عن مرحلة معينة لا بد أيضًا من السجود لصنم لتصل إلى مراحل جديدة في اللعبة.
المثير في الأمر أن أبناءنا، وبلا وعي منهم، يتقبلون المسّ بمفاهيم عقدية ودينية وأخلاقية فيصبح الأمر مقبولًا في العالم الافتراضي لينشأ لديهم استعداد نفسي مسبق لكسر الحواجز والرمزيات الدينية والأخلاقية إلى حد يصبح من السهل جداً معه أن يمارس أحدهم العنف، الفوضى أو حتى القتل. ومع مرور الوقت والمواظبة على اللعب يصبح الطفل أسيرًا بالمطلق لما يتشبع به من أفكار تقوده إلى حالة من الاغتراب عن الواقع بل ربما إلى صراع أيضًا، رغم كل ما يسعى الأهل إلى تلقينه أو نقله إليه من قيم أخلاقية أو تربوية.
لنتخيل ابنًا لنا يصحو يوميًا متلهفًا لأن يتابع ألعابه الإلكترونية، ولديه الصبر والجلد ليقضي ساعات طويلة منغمساً فيها إلى درجة الغياب الفعلي فلعل أحدكم جرب أن يقاطع ابنه أو ينهره لانكبابه على جهازه، وقد تكون المعاناة أشد إذا طلبت منه أن يخلد للنوم أيضا؛ ففي جميع الحالات سينظر إليك على أنك الوحيد في الكرة الأرضية الذي يقف في طريق سعادته ومتعته حائلًا بينه وبين ما خُلقَ لأجله.
يجب أن نعي جميعاً خطورة ما نحن فيه وما نحن مقدمين عليه وأن المماطلة والتسويف في إيقاف هذا الخطر الداهم لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من المخاطر حيث سنجد أنفسنا في حرب شعواء مع أقرب الناس إلينا، كما سيصبح الأمر أكثر سوءًا بمرور الوقت ولربما يأتي ذلك اليوم الذي نندم فيه على أنّنا كنّا سببًا في وجودهم.
المطلوب اليوم اليوم أن نبدأ بمعالجة هذه الأعراض الخطيرة قبل أن تستفحل وقبل أن يتأخر الوقت كثيرًا. وإنني على ثقة بأنّ حبنا لهم وخوفنا عليهم سيسعفنا لأن نجد ألف وسيلة لنحميهم من القادم الأسوأ، وهذه دعوة لكل مختص وصاحب رأي وأب وأم غيورين على أبنائهم أن يدلوا بخبراتهم، تجاربهم وآرائهم بما يخدم هذه القضية التي تؤرق وتقض مضاجعنا جميعاً، وبطبيعة الحال فإن إعادة النظر بالتعلم عن بعد وفي جميع المراحل الدراسية ما زالت أولى الأولويات إذا ما أردنا لأبنائنا أن ينشأوا أصحاء بدنيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وكذلك تربويًّا.