استمعتُ إلى كلمة رئيس عبيدات، كانت دافئة وشاملة، تريح القلب والعقل لعبقرية البساطة فيها، واتسم خطابها بهدوئه ورغبته في إعادة بث الحياة للجامعة المكان والإنسان الاساتذة والطلبة، والوطن وكل محبي الجامعة، للداخل والخارج، بلغة سامقة واضحة، جميلة مريحة، فخطاب فوج المئوية يستحق هذه اللغة الأبوية التي ترنو بالخريجين الى مراتب الغلى حيث انحازت الى الصدق والعفوية والطيبة التي يحتاجها الخطاب الأكاديمي برمته، بعد سنوات من تعديات كورونا على التعليم المباشر جاءت على كل شيء لتعود الجامعة إلى إعادة بناء جسور التواصل المباشرة مع الخريجين والمجتمع، وما احوجنا جميعا الى هذه اللغة الدافقة بالانسانية والعطاء والانجاز والتأسيس للمستقبل، إنها بداية راقية تدخل القلب وتنحاز للخير والعطاء والبناء، وتعيد لارجاء الاردنية الضوء والامل، وكم احسست وهو يتحدث بعفويته وبساطته وحبه الحقيقي للطلبة والجامعة والوطن، خاصة وهو يطالب الجميع العمل بروح الفريق الواحد لاحداث التغيير الحقيقي، ويؤكد أن الطالب والاستاذ هما بؤرة التغيير، وهذا هو محور التتغير المطلوب.
والحديث عن الجامعة الأردنية حديث لا يتوقف منذ ستة عقود وهي محور الوطن وعقل الدولة مهما تباعدت الأزمنة أو افترقت الأمكنة، كنت اسمع دائما النقاش تلو النقاش، واصمت طويلا عند بعض الأفكار والملاحظات، واقلب بعضها يمنة ويسرة، وأقول في حواري الداخلي؛ هذا كلام يليق، وذاك كلام يحترم، وذلك رأي يعتد به، وآخر لا معنى له، وغيره من الأفكار الكثيرة المثيرة عن الجامعة وطلبتها وأساتذتها وعلاقتها بمجتمعها وعن ظروفها الأكاديمية والمالية، وحول ما يدار حولها من كتابات أكانت ايجابية أم سلبية، وحول اجتهادات إداراتها المختلفة، وكنت أرى أن كل مرحلة لها ظروفها، فما كنا نراه صحيحا قد يراه الآخر غير ذلك؛ ولكن يجب ان تحترم كل تجربة وكل اجتهاد صغيرا كان أم كبيرا.
عدت لحواري مع ذاتي وقلت: كم مرة وقفت كلماتي عاجزة امام الجامعة الاردنية، محطة الفكر الأولى، ومركز الحرف وسطره الأول في حياتي؟ كم مرة كتبت وأنا مؤمن أنها ستبقى مشعلا تنويريا وفكرياً وعلمياً مهما تقادم الزمان وتغير الناس أكانوا من داخلها أم خارجها؟ وكم كتبث عنها ولها، وأنا مؤمن أنها الأم الرؤوم التي تحتضن الجميع بلغة الحب والعطاء والتميز، وتأخذ على عاتقها الاستمرار في أداء رسالتها سواء أنقص المال أم كثر، وأقول وأنا مطمئن في ظل إدارتها الحالية من أنها ماضية في إنجازاتها وعملها الاكاديمي والعلمي وتطوير بنيتها التحتية والمعرفية والبحثية، هذه مؤسسة أكاديمية راسخة رسوخ الجبال، وتاريخها حافل بالإنجار والعطاء والتميز، إنها انجاز الأجيال لبناء شباب المستقبل، وها هي تعلو وتتعالى والكل يقف أمام بواباتها المشرعة لمحبي العلم والمعرفة كي يتأملوا تجربتها، ويرون كيف بدأت فكرة بسيطة حتى أصبحت حقيقة ناصعة، نفاخر الدنيا بها، لا تتوقف عن العطاء، إنها الأردنية الوطن وعقل الدولة وفكرها النبيل، وهي البيت الدافئ ونبض القلب، هي طود شامخ عبر الزمن، نعيش لحظاتها بإيقاعاتها كافة، بحضورها وغيابها، وهي في الأنفاس روحنا الوثابة، الذين أحبوها؛ أحبوها بصمتهم الجميل، وسمتهم الأنيق، أحبوها كأولادهم دون منة، وأخلصوا لها حتى غدت خافقة على مر الزمن، وغدا زمانها أسطورة على كل لسان، ها هي الأردنية تقف على أحداث الزمان والمكان من جديد مع الفوج السادس والخمسين الذين خاطبهم الرئيس بأبوة ومحبة وعفوية حين طالبهم بنشر لغة الحب والأمل والجد والمثابرة والتسامح والخير والحنان، وان يجعلوا السماء سقفا لطوحاتهم، وطلب اليهم ان يحملوا رسالة الابتكار والخلق والتميز والجامعة الى العالم بروح وثابة.
وما ان استمعت لهذه الكلمات في هذا الصباح الجميل، حتى تذكرت صباحات الأردنية المعطرة برائحة السرو إذ يساقط عليه رذاذ المطر، فيفوح منه المسك، ويتضوع في السما طيبة، وها هي الأردنية كما عهدناها تعيد للزمان دورته وجماله وأقول لاهلها اجمل معاني النخوة والشهامة والإيثار، ولطلبتها لا تدعوا فرصة للنجاح دونها، وليكن ديدنكم الإبداع والتميز والجد والمثابرة والعمل المثمر الخلاق الذي يثري العلم والمعرفة والتميز، وما يسجل لهذا الكلمة صدقها وعفويتها وفطرتها النقية ورغبتها في إعادة بناء تشكيل العلاقة بين الطالب وجامعته وبين طرفي المعادلة الأستاذ والطالب، وبين الجامعة ومحيطها المجتمعي، والهدف الارتقاء بالجامعة وطلبتها. أقول هذه بداية مهمة لعقد الشراكة بين الأطراف كافة في زمن التحديات الأكاديمية والنظرة المتباينة تجاه الجامعات وظروفها والمنطقة برمتها، والجامعات بحاجة لمثل هذه الخطوات المهمة والكلمات الدافئة الوازنة التي تعيد لها مكانتها وعلاقتها الطبيعية مع بيئتها المحلية، والجميع ينتظر من الجامعات أخذ زمام المبادرة في الإبداع والابتكار والانجاز والجودة العلمية، وعلينا ان نثمن الوعي الحقيقي لدور المجتمع في تبني رؤية الجامعة وحمل رسالتها والدفاع عنها في المحافل الوطنية المتنوعة، خاصة ان تاريخ الأردنية وتأثيرها وخريجيها يمتدون على رقعة الوطن والعالم كله. وبعد إن كان من تحية صادقة فهي للجامعة ممثلة برئيسها الجاد الدكتور نذير عبيدات الذي يمتلك حشا أخلاقيا عالياً ورؤية واضحة وطموحة للجامعة ولرغبته الحقيقية في إعادة بث الحياة الاكاديمية التي نالها التعب بعد سنوات كورونا، وهذا ما عهدناه فيه حين كان ناطقا رسمياً للجنة الاوبئة ثم وزيراً للصحة، والتحية الحارة لفريقه ولأساتذة الجامعة والطلبة، ولكل رأي حصيف رفع في مداميك الوطن والإنسان، وكل ما نرجوه ان تتناغم الجهود العلمية والأكاديمية والبحثية والعملية لتجاوز المآلات السلبية الكثيرة تجاه الجامعات، وهذه دعوة صادقة لإعادة الحياة لمفاصل الحياة الأكاديمية برمتها بعد سنوات الجائحة التي نالت من همة الجميع، ولا بد أن يشعر الجميع ان عليهم واجب خدمة الجامعة والوطن بوعي وبصيرة ذكية تصل بنا الى بر الأمان، وتصل بالجامعات إلى المستويات العلمية والعالمية التي يجب ألا تغيب عن بال أحد.
نقلا عن صحيفة الرأي بتاريخ 4-12-2021