أيام قليلة تفصلنا عن عودة أبنائنا لمقاعد الدراسة مع بدء السنة الدراسية الجديدة. وكم من المفيد والجميل أن يدرك مئات الآلاف من أبنائنا قيمة العلم والتعلم، وفضيلة المعرفة واكتسابها. وكم سيكون مفيداً استحضار آلاف المعلمين والمعلمات لنية التعبد لله عز وجل بتعليم هؤلاء الطلبة.
في القرآن الكريم موقف واضح وصريح بفضل أهل العلم على أهل الجهل، قال تعالى: "... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" (الزمر، الآية 9)، وقال سبحانه: "... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..." (فاطر، الآية 28).
أما بخصوص فضل التعلم وطلب العلم والدراسة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع" (رواه مسلم).
وكم في هذا من حافز كبير لطلبتنا أن يعرفوا أنهم لا يستفيدون من الدراسة والتعلم فقط في الدنيا؛ باكتساب مهنة في المستقبل أو الحصول على حصيلة ثقافية فحسب، أو الحصول على القوة المعنوية أو المادية من خلال العلم لأنفسهم ولمجتمعهم وأمتهم. بل إن طلبهم للعلم ودراستهم يعدان، أيضاً، سبيلا وطريقا لدخول جنة الله عز وجل في اليوم الآخر، وهي الغاية التي يسعى لها كل مؤمن وعاقل، قال تعالى: "... فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران، الآية 185).
والدراسة التي تكون سبيلاً للجنة، هي الدراسة التي ينوي بها الطلاب والطالبات تعلم ما ينفعهم وينفع مجتمعهم وأمتهم في دنياهم ودينهم، مع الالتزام بالأخلاق الحميدة والجد والاجتهاد، وكل ذلك طلباً لرضى الله عز وجل وامتثالاً لأمره "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ..." (محمد، الآية 19).
أما المعلمون والمعلمات، فبالإضافة إلى كونهم يحوزون على مكانة اجتماعية مميزة بسبب مهنتهم -برغم التقصير في مكافأتهم مالياً بحسب هذه المكانة- التي تصنع الإنسان، وتصنع المستقبل على الحقيقة، فإن هؤلاء المعلمين والمعلمات لهم مكانة مميزة أيضا في الكون بتقدير الله عز وجل، لما لهم من دور مهم في هذا العالم الكبير. هذه المكانة المميزة أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير" (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وصلاة الكائنات على معلمي الخير هي الدعاء للمعلمين والمعلمات. ولاحظوا هنا أن هذا الفضل لمن يعلّم الناس الخير، وهذا يشمل خيري الدنيا والدين. وهذا الخير حين ينتشر، تستفيد منه حتى الدواب والجمادات، لأن الإسلام يحث على الرفق والعناية بالحيوانات ورعاية البيئة والمحافظة عليها.
وهذه العناية من الله عز وجل ورسوله بالعلم والمتعلمين والمعلمين، نابعة من كون العلم في الإسلام قيمة مقدرة بذاتها. فالرؤية الإسلامية والقرآنية للعلم تقوم على الأسس التالية:
1 - الله عز وجل خلق الإنسان/ آدم أب البشر، وفضّله بالعلم على الملائكة، ولذلك أسجدهم له "وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا" (البقرة، الآية 31).
2 - ثم لما عصى آدمُ ربّه، وأهبطه ربُّه من الجنة، شرع الله عز وجل الدين للبشرية هدى وتعليما لما ينفعهم في الدنيا والآخرة: "قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة، الآية 38).
3 - تلقى بعض الأنبياء بالوحي علوما دنيوية مع نبوتهم؛ فنوح عليه السلام جاءه الوحي ببناء السفن "وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..." (هود، الآية 37)، وداود عليه السلام علّمه الوحي صناعة الدروع "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ..." (سبأ، الآيتان 10 و11). وكذلك سليمان عليه السلام "... يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ..." (النمل، الآية 16).
4 - كمال العبادة لله عز وجل وعمارة الأرض، لا يكونان إلا بالعلم والتعلم. ولذلك، كانت أول آية نزلت من القرآن الكريم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (العلق، الآية 1)؛ فالعبادة لا تصح بغير علم شرعي، وعمارة الأرض لا تتم إلا بالعلم/ القراءة، والنتيجة ستكون "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ" (العلق، الآية 3). وهذا ما حدث، فظهرت الحضارة الإسلامية العظيمة.
إذن، دين الإسلام وهو دين كل الأنبياء "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة: 133)، هو دين يدعو إلى العلم، ويقدّره ويقوم على رعايته. ولذلك، كانت المساجد مراكز لنشر العلوم والمعرفة الدينية والشرعية، وكانت الشرائع الإسلامية الدينية، من الصلاة والصوم والزكاة والحج والمواريث وغيرها، سبباً في ازدهار العلوم الدنيوية في حقول الرياضيات والجغرافيا والفلك والطب والهندسة، وغيرها من علوم. بينما كانت الأديان الأخرى تقوم بالحرب على العلم والمعرفة والعلماء فتحرقهم وتقتلهم، لأن العلم والمعرفة كانا يكشفان زيف تلك الأديان واعتمادها على الخرافة والجهل، حيث كانت تجعل من المخلوقات آلهة تعبد! وبذلك تعطلت مسيرة العلم، حتى جاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي أخضعت كل المخلوقات للعلم والمعرفة، فانفتحت بوابة الرقي والتقدم والحضارة.
فيا طلبة العلم ويا معلمي العلم: الله الله في العلم، جدّوا أيها الطلبة بتحصيله وتفهمه، وجدوا أيها المعلمون في بثه وإتقانه.
نقلا عن صحيفة الغد
فضيلة التعلم والتعليم