ليست مجرد جامعة مكونة من طلاب ومبان وهيئة تدريسية وجهاز إداري، بل كانت مشروع الدولة لأجل الوعي، واعداد نخبة من القادة وجهاز الدولة الإداري. ولم تولد صدفة ، بل كان هاجس الاردنيين بجامعة وطنيّة مبكرا، وأول من فكر به علي خلقي الشراري، ثم في الخمسينيات بدأت الفكرة، وتبرع الحسين الباني من نقوط زواجه الأول لمشروع جامعة أردنية، وطرحت خيارات للموقع وشكلت لجنة، ثم جاء الحسم مطلع الستينيات، حيث ولجت الدولة عصر البناء المؤسسي، وانشئ مجلس الإعمار، وكان للمشير الراحل حابس المجالي والشهيد وصفي التل دورا بارزا وحاسماً في اقامة مؤسسة للدولة، حيث واجهت الدولة مسألة حرجة، فجلّ مبتعثيها كانوا للخارج، ومن يدرس في الخارج على نفقته، كانوا جميعا يـتأثرون بالأفكار القومية واليسارية والليبرالية التي تناوئ الأردن ونظام الحكم فيه، أو كانت أفكارا لا تناسب المجتمع.
أسّس الحسين المؤسسة الأبرز في هندسة المجتمع، ودخلها في مطلع أيلول العام 1962 برئاسة ناصر الدين الأسد، وفيها من الكفاءات العربية والأجنبية وبموازنة لا تزيد عن ستين ألف دينار، ورسوم الطلبة للعام الأول لم تتجاوز الألف دينار، تلك قصة الكفاح والإرادة والبناء من القليل الذي تحول مع مرور الزمن لكنز كبير تقدم كثيرا في عهد الملك عبدالله الثاني حيث تضخمت الجامعة من حيث النشر العلمي والـتأثير البحثي ومن حيث البعثات العلمية واعداد الطلبة والمدرسين وتوسعت بفرع جديد في العقبة وتضاعفت موازنتها ونشطت مراكزها بشكل لافت، مما جعل مقارنتها بأي جامعة محلية أمرا صعبًا لا لاستثنائيتها (وهي كذلك)، بل لعمق حضورها وتأثيرها في المجمتع.
وكثيرا ما سمعنا عن الذين غيروا الأردن، من خريجيها ممن اصبحوا رؤساء حكومات ووزراء ومدراء عامين ونخبا تربوية وعلمية طبية وهندسية وتربوية، أو طلابا فاعلين في المجمتع، هي أكبر من جامعة وأقل بقليل من وطن مصغر ودولة فيها مزارعها ومستشفاها وكلياتها المتخصصة وروحها التي يتحرك بها الطلبة في كل الأفكار والأيدولوجيات.
الأردنية اكبر مؤسسة وطنية مساهمة عامة يملكها الأردنيون، وزعت أرباحها على الناس بالتزام دون انقطاع، ولم تربح يومًا او تعلن ربحًا أو فائضًا ماليًّا، لكنها ظلت تضخ الأرباح مطلع كل عام بقوافل الخريجين، والحب والعطاء. وإذا قالت الجامعة أنها وفرت يوما ما، فإنها خسرت لا محالة، لان مثل الموفر فيها، مِثلُ الذي يضن على بيته وابنائه وهم في حاجة.
الأردنية مساحة الاختلاف الجميل، وفي تاريخها المؤسّسي الكثير مما يقال وقد كتب ودون حتى عام 2012 في ثلاثة أعمال علمية، لكن في تاريخها المخفي في الصدور من اخبار العشاق والمجانين من شعراء وأدباء الأرياف ما لا يُروى بأسفار من الحب الجميل، وهو ما وثقته الحيطان والادراج وشوارعها المغطاة بالسرو.
الأردنية، اليوم طلاب ممانعون للتطبيع، واكرم بهم، ومؤسسة رائدة دخلت لأول مرة اعلى تصنيفات العالم الموسوم بشنغهاي وهو جهد متراكم، ولكنه اخذ في العام المنصرم جهدًا استثنائيًا، وهي اليوم مطمح الجميع، وعليها مسؤوليات جسام، وفيها قيادة عالية طامحة للمزيد من التقدم، وتسعى لتحديث بنيتها الفكرية والانشائية والتشريعية بكل صدق وشفافية ومهنية.