داية لا بد من الاشادة بالدراسة المسحية التي اجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية وبالجرأة في نشر مخرجاتها ، التي تتحدث عن مجمل صدمات يعيشها جيل شاب ما زال على مقاعد الدراسة ، بدل ان يكون منطلقا نحو الحياة بصدر مفتوح وعزيمة قادرة على كسر جدران الاحباط الاسمنتية ، فالدراسة تقول بالفم الملآن اننا على شفير خطر اجتماعي يعيشه المستقبل ، اذا كنا مؤمنين حقا بان الشباب هم المستقبل وساتوقف عند رقمين خطيرين كشفتهما الدراسة .
الرقم الاول ان 21% من الشباب الجامعي في ام الجامعات يفكر بالهجرة نهائيا والعيش خارج الوطن الام والثاني ان انفاق طلبة الجامعة على التدخين يقارب النصف مليون دينار شهريا وان 3% من الشباب في الجامعة تعاطوا المخدرات وهي نسبة صادمة بكل المقاييس ولا يجوز اخذها بسهولة او بدلالة الرقم ونسبته ، فهؤلاء اعترفوا علنا بتعاطيهم المخدرات واظن ان نسبة مثلهم على الاقل لم يعلنوا ذلك إن لم يكن اكثر وحتى لو كان الرقم دقيقا فإنه رقم صادم بكل المعيير ، فهذه الآفة غزتنا بشكل واضح ولم يعد مقبولا الصمت عليها او الحديث عن المستقر والممر .
ما يجري داخل الاروقة الحكومية سواء تلك الحكومة او سابقاتها اجهض احلام الشباب بوظيفة او بتطور اجتماعي واكاديمي ضمن سيرورة التطور الرسمي الذي يعتمد على المحاسيب والابناء والاقرباء والانسباء وتراجعت الكفاءة والعدالة وتكافؤ الفرص ، فقرر الشباب الهجرة الى خارج الوطن وبنسبة تصل الى خُمس تعدادهم والغريب الصادم الذي كشفته الدراسة المسحية ان معظم هؤلاء يبحثون من خلال الهجرة عن اكمال دراستهم الاكاديمية اي انهم هاربون نحو العلم والتعليم والبحث العلمي والاكاديمي وليس نحو العمل فقط او جلي الصحون وتعبئة البنزين ، اي اننا نفرط كدولة ومجتمع بجيل طموح راغب في التطور ولكنه لا يجده في بلده الام .
فيما اختار الاخرون لفظ قهرهم من خلال السجائر والمخدرات انتظارا للوقوف في طوابير الباحثين عن عمل وتكسير اضلاع الايام التي يجهلون قراءة قادمها ، فهم على مفترق طرق اما الجريمة والادمان واما التخلص من القهر بوظيفة كريمة تفتح لهم ابواب الحياة مجددا وتزيل عن اكتفاهم عبء المستقبل المجهول ، فحجم الانفاق على السجائر والاراجيل يفوق حجم خسائر الجامعة الاردنية نفسها وربما لو وجدنا الية ليتبرع بها الطالب بنصف انفاقه على السجائر والاراجيل الى الجامعة الام لانتجنا موازنة للبحث العلمي والابتعاث الشهري للدراسة في ارقى الجامعات .
الجامعة وعدت على لسان رئيسها بأن الدراسة ستدخل الى مختبرات العمل الحقيقي لمواجهة اثار نتائجها السلبية ولتعظيم العوامل الايجابية وهذا جهد مشكور من الجامعة ورئيسها لكنه غير كافٍ على الاطلاق لان مواجهة هذا الاحباط ليس مسؤولية الجامعة وحدها لانها ليست السبب في وجود كل هذا الاحباط بل هي نتيجة لاسباب تعليمية وسياسية واجتماعية تتطلب مواجهتها مشروعا وطنيا على مستوى الدولة تكون الجامعة ترسا فيه لا كل الماكينة ، فالجامعة الام تخطو خطوات طيبة في مجال رفع مستواها وتصنيفها العالمي وتحقق وحققت نتائج ايجابية لكنها بهذه الدراسة تضع نفسها كبيت خبرة وطني وكمختبر اردني ناشط وفاعل لكشف الامراض والفيروسات التي تتسلل الى مستقبلنا وشبابنا ، وهي ان تملك مختبر الكشف ، لا تملك الدواء الشافي وربما تملك بعض المسكنات في احسن الاحوال لانها نتيجة لواقع وليست سببا فيه ، وعندما نزيل عنها عبء الحلول ليس لشك في مقدرتها ولكن لان قدرتها لا تحتمل كلفة وقرارات الحلول التي تتوزع على الحكومة بأذرعها المختلفة والواجب يقتضي ان نبدأ بدراسة الدراسة نفسها ووضع الحلول والبرامج اللازمة لاخراج المستقبل / الشباب من خانة الاحباط الى افاق المستقبل والحياة
نقلا عن صحيفة الدستور بتاريخ 9/2/2016