لطالما كان التعليم بالنسبة للعائلة الأردنية استثماراً اقتصادياً بحتاً، الهدف منه أن ينشل "الولد المتعلم" عائلته من الفقر والعوز، أو أن يحافظ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لها. ولعل السبب في مركز الصدارة الذي تبوأه المعلم في مجتمعنا، يعزى في حقيقته، إلى أنه (المعلم) شكّل وسيلة المجتمع لتأسيس رأس مال اقتصادي ممثلاً "بالولد المتعلم"، والذي غالباً ما ذهب للوظيفة في الحكومة باعتبار أن الدولة كانت أهم مشغّل في سوق العمل.والواقع أن هناك فهماً ضمنيا مشتركا في مجتمعنا اليوم، مفاده أن التعليم بشكله الحالي يعتبر استثماراً اقتصادياً فاشلاً؛ ذلك أن مجموع الكفاءات والمهارات التي يتخرج بها الطالب من المدرسة والجامعة لا يتناسب مع متطلبات سوق العمل. ولهذا، فإن "الولد المتعلم" يتخرج ولا يجد وظيفةً، أو قد يجد وظيفةً براتب متدن. وبوهم أمان الوظيفة في الدولة، يلتحق بالقطاع العام، حتى باتت الدولة تمثل بيت أبي سفيان للتوظيف؛ من دخلها فهو آمن، الأمر الذي أوصلنا الى هذا التضخم في القطاع العام.من هذه الزاوية، فإن إصلاح التعليم أضحى مطلبا وطنيا محل إجماع الأطياف السياسية كافة. وهو -في ظني- ليس معركةً بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، بل هو معركة بين استمرار الوطن في فشل التعليم وبين نجاحه. فإن اختلف الناس على مضمون الإصلاح، فإنه لا يجوز أن يختلفوا على ضرورته على الصعيدين المدرسي والجامعي.في معرض قرار واضح محل إجماع بشأن ضرورة إصلاح التعليم، قاتل وزير التربية والتعليم السابق محمد ذنيبات، لتحسين مخرجات التعليم، فاهتم بتحسين أدوات الوزارة في العملية التعليمية، وحارب فساد امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، وقاتل بشجاعة نادرة لوقف الغش فيه وتحسين ظروف الامتحان. وأيضاً ساهم في موضوع تعديل المناهج، مع ما أثاره ذلك من خلاف. ومن المهم أن تؤخذ تجربة الذنيبات باعتبارها بداية مشروع وطني للإصلاح نرجو أن يستمر.في هذا السياق، فإن إصلاح التعليم يجب أن ينطلق من رؤية شمولية وطنية علمية غير مؤدلجة؛ رؤية تبدأ بمراجعة فلسفة التعليم بهدف إعادة القيمة الإقتصادية والتربوية للعملية التعليمية وقيمها. مراجعة تجيب عن سؤال وطني أساسي هو: ماذا نريد من التعليم؟ بحيث تشكل الإجابة العلمية الموضوعية عن هذا السؤال، أسس الإصلاح التعليمي، بما يحقق حاجات الأردن الاقتصادية والاجتماعية، ونجاح طلبته الأكاديمي والقيمي، بعيداً عن التمترس الحزبي أو الأيديولوجي أو التغريبي الاستشراقي.ببساطة، نحتاج إلى أن يعد التعليم أبناءنا لدخول معترك الحياة، وأن يؤهلهم لها اقتصاديا واجتماعيا وقيميا. وأن يمكنهم من أدوات التفكير الناقد الحر، ويعلي عندهم قيم إعمار الأرض المتمثّلة بقيم الحرية وسيادة القانون والتسامح واحترام الآخر وقيمه الشخصية والدينية وإن اختلف معها.عمر رزاز من الشخصيات القليلة "المجمع عليها في الأردن"، ويحظى الرجل باحترام من جميع الأطراف. والمقربون منه يعرفون أنه ليس مولعاً بتصنيف نفسه في إطار أيديولوجي ضيق، وأجزم أنه ليس لديه أجندة لمحاربة الإسلاميين أو غيرهم في الوزارة بهدف الحرب نفسها؛ فهو من خلفية تربوية تعتز بالعروبة والإسلام. وباعتقادي، لأنه ليس من أبناء الوزارة، فسيدفعه ذلك إلى الاستعانه بفريق من الخبراء لتحقيق ما يتطلبه التعليم من إصلاح يحقق متطلبات اقتصاد المعرفة، الذي هو خبير فيه. ولعل خلفيته التنموية الاقتصادية هي ما نحتاجه الآن لإعادة الاعتبار لمخرجات التعليم كرافعة اقتصادية للأردن، خاصة أنه عندما عمل على الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وقف على حقيقة المشكلة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.في الحكومات البرلمانية، يأتي الوزير ومعه خطة حزبه للوزارة. لكن عندنا في الأردن لا نستطيع الحكم علي أي وزير قبل أن يعمل في وزارته فعلاً، وإن التنبؤ بنجاحه أو فشله عملٌ غير مُجد. وعليه، فإن كان الوزير شخصاً معروفاً بنزاهته وخبرته وقدراته الإدارية والاستراتيجية كـ"عمر الرزاز"، فالأجدى أن ندعمه حتى ينجح، لإن إصلاح التعليم لم يعد خيارا، بل ضرورة وطنية وحاجة ملحة؛ "فاهم عليّ جنابك".
نقلا عن جريدة الغد ص: 9